وإن من أعظم ثمرات القيام بهذا الأصل: تحقيق أوثق عرى الايمان، والفوز بمرضاة الله الغفور الرحيم، والنجاة من سخط الجبار جل جلاله، كما قال سبحانه: ((تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وفِي العَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * ولَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والنَّبِيِّ ومَا أُنزِلَ إلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ ولَكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ)) [المائدة:79 - 80].
ومن ثمرات القيام بالولاء والبراء: السلامة من الفتن .. قال سبحانه: ((والَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وفَسَادٌ كَبِيرٌ)) [الأنفال:73].
يقول ابن كثير: "أي إن تجانبوا المشركين، وتوالوا المؤمنين وإلا وقعت فتنة في الناس وهو التباس واختلاط المؤمنين بالكافرين، فيقع بين الناس فساد منتشر عريض طويل" (16).
ومن ثمرات تحقيق هذا الأصل: حصول النعم والخيرات في الدنيا، والثناء الحسن في الدارين، كما قال أحد أهل العلم: "وتأمل قوله تعالى في حق إبراهيم عليه السلام: ((فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ ومَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وهَبْنَا لَهُ إسْحَاقَ ويَعْقُوبَ وكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِياً * ووَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِياً)) [مريم: 50]، فهذا ظاهر أن اعتزال الكفار سبب لهذه النعم كلها ولهذا الثناء الجميل - إلى أن قال - فاعلم أن فرط اعتزال أعداء الله تعالى والتجنب عنهم صلاح الدنيا والآخرة بذلك، يدل على ذلك قوله تعالى: ((ولا تَرْكَنُوا إلَى الَذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ومَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ)) [هود:113] " (17).
وهذا أمر مشاهد معلوم، فأعلام هذه الأمة ممن حققوا هذا الأصل قولاً وعملاً، لا زلنا نترحم عليهم، ونذكرهم بالخير، ولا يزال لهم لسان صدق في العالمين .. فضلاً عن نصر الله تعالى لهم والعاقبة لهم .. فانظر مثلاً إلى موقف الصديق -رضي الله عنه- من المرتدين ومانعي الزكاة .. عندما حقق هذا الأصل فيهم .. فنصره الله عليهم وأظهر الله تعالى بسببه الدين .. وهذا إمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- يقف موقفاً شجاعاً أمام المبتدعة في فتنة القول بخلق القرآن .. فلا يداهن ولا يتنازل .. فنصر الله به مذهب أهل السنة وأخزى المخالفين .. وهذا صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- يجاهد الصليبيين - تحقيقاً لهذا الأصل - فينصره الله تعالى عليهم ويكبت القوم الكافرين .. والأمثلة كثيرة ..
فيجب على الدعاة إلى الله تعالى أن يحققوا هذا الأصل في أنفسهم اعتقاداً وقولاً وعملاً، وأن تقدم البرامج الجادة - للمدعوين- من أجل تحقيق عقيدة الولاء والبراء ولوازمهما .. وذلك من خلال ربط الأمة بكتاب الله تعالى، والسيرة النبوية، وقراءة كتب التاريخ، واستعراض تاريخ الصراع بين أهل الإيمان والكفر القديم والحديث، والكشف عن مكائد الأعداء ومكرهم "المنظم" في سبيل القضاء على هذه الأمة ودينها، والقيام بأنشطة عملية في سبيل تحقيق الولاء والبراء كالإنفاق في سبيل الله، والتواصل واللقاء مع الدعاة من أهل السنة في مختلف الأماكن، ومتابعة أخبارهم ونحو ذلك.
الهوامش:
1 - د. معروف الدواليبي / انظر جريدة العالم الإسلامي بمكة عدد 1243. وانظر دور هيئة الأمم في إسقاط عقيدة الولاء في كتاب الجهاد للعلياني.
2 - من كتاب الإيمان ص 14
3 - من رسالته أوثق عرى الإيمان ص 38.
4 - من لآداب الشرعية لابن مفلح 1/ 268.
5 - يقول القاضي أبو يعلي:"وكل دار كانت الغلبة فيها لأحكام المسلمين دون الكفر فهي دار الإسلام، وكل دار كانت الغلبة فيها لأحكام الكفر دون أحكام الاسلام فهي دار الكفر"، المعتمد في أصول الدين ص 276.
6 - انظر تفصيل ذلك في كتاب الولاء والبراء للقحطاني، وكتاب الموالاة والمعاداة للجلعود.
7 - الحجة في بيان المحجة للأصفهاني (قوام السنة) 2/ 487.
8 - المرجع السابق 2/ 501.
9 - تفسير ابن كثير 1/ 357.
10 - أحكام أهل الذمة 1/ 238.
11 - الأصفهانية ص 144.
12 - الدرر السنية 7/ 159.
¥