تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

موالاة الكفار ذات شعب متعددة، وصور متنوعة .. وكما قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب - رحمهم الله -: «مسمى الموالاة يقع على شعب متفاوتة، منها ما يوجب الردة وذهاب الإسلام بالكلية .. ومنها ما هو دون ذلك من الكبائر والمحرمات» (12).

ويقول أيضاً: "ولفظ الظلم والمعصية والفسوق والفجور والموالاة والمعاداة والركون والشرك ونحو ذلك من الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة قد يراد بها مسماها المطلق وحقيقتها المطلقة، وقد يراد بها مطلق الحقيقة، والأول هو الأصل عند الأصوليين، والثاني لا يحمل الكلام عليه إلا بقرينة لفظية أو معنوية، وإنما يعرف ذلك بالبيان النبوي وتفسير السنة .. إلى أن قال:» فقوله تعالى: ((ومَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإنَّهُ مِنْهُمْ .. )) قد فسرته السنة وقيدته وخصته بالموالاة المطلقة، العامة .. » (13).

فمن شعب موالاة الكفار، التي توجب الخروج من الملة؛ مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين كما قال سبحانه: ((ومَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإنَّهُ مِنْهُمْ .. )) [البقرة: 102].

ومنها عدم تكفير الكفار أو التوقف في كفرهم أو الشك فيه، أو تصحيح مذهبهم (14) .. فما بالك بحال من يدافع عنهم ويصفهم بأنهم إخواننا في الإنسانية - إن كانوا ملاحدة أو وثنيين - أو "أشقاؤنا" - إن كانوا يهوداً أو نصارى - فالجميع في زعمهم على ملة إبراهيم عليه السلام!

- 7 -

يقع خلط ولبس أحياناً بين حسن المعاملة مع الكفار - غير الحربيين - وبغض الكفار والبراءة منهم، ويتعين معرفة الفرق بينهما، فحسن التعامل معهم أمر، وأما بغضهم وعداوتهم فأمر آخر، وقد أجاد القرافي في "الفروق" عندما فرّق بينهما قائلاً:

«اعلم أن الله تعالى منع من التودد لأهل الذمة بقوله ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الحَقِّ .. )) الآية، فمنع الموالاة والتودد، وقال في الآية الأخرى: ((لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ ولَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ .. )) فلا بد من الجمع بين هذه النصوص، وأن الإحسان لأهل الذمة مطلوب، وأن التودد والموالاة منهي عنهما .. وسر الفرق أن عقد الذمة يوجب حقوقاً علينا لهم؛ لأنهم في جوارنا وفي خفارتنا وذمة الله تعالى وذمة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ودين الإسلام، وقد حكى ابن حزم الإجماع - في مراتبه - على أن من كان في الذمة، وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه، وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح .. فيتعين علينا أن نبرهم بكل أمر لا يكون ظاهره يدل على موادات القلوب ولا تعظيم شعائر الكفر، فمتى أدى إلى أحد هذين امتنع، وصار من قبل ما نهي عنه في الآية وغيرها، ويتضح ذلك بالمثل، فإخلاء المجالس لهم عند قدومهم علينا والقيام لهم حينئذ ونداؤهم بالأسماء العظيمة الموجبة لرفع شأن المنادى بها، هذا كله حرام، وكذلك إذا تلاقينا معهم في الطريق وأخلينا لهم واسعها ورحبتها والسهل منها، وتركنا أنفسنا في خسيسها وحزنها وضيقها كما جرت العادة أن يفعل ذلك المرء مع الرئيس والولد مع الوالد، فإن هذا ممنوع لما فيه من تعظيم شعائر الكفر وتحقير شعائر الله تعالى وشعائر دينه واحتقار أهله، وكذلك لا يكون المسلم عندهم خادماً ولا أجيراً يؤمر عليه وينهى .. وأما ما أمر من برهم من غير مودة باطنية كالرفق بضعيفهم، وإطعام جائعهم، وإكساء عاريهم، ولين القول لهم على سبيل اللطف لهم والرحمة لا على سبيل الخوف والذلة، واحتمال أذايتهم في الجوار مع القدرة على إزالته لطفاً معهم لا خوفاً وتعظيماً، والدعاء لهم بالهداية وأن يجعلوا من أهل السعادة ونصيحتهم في جميع أمورهم .. فجميع ما نفعله معهم من ذلك لا على وجه التعظيم لهم وتحقير أنفسنا بذلك الصنيع لهم، وينبغي لنا أن نستحضر في قلوبنا ما جبلوا عليه من بغضنا وتكذيب نبينا -صلى الله عليه وسلم-، وأنهم لو قدروا علينا لاستأصلوا شأفتنا واستولوا على دمائنا وأموالنا، وأنهم من أشد العصاة لربنا ومالكنا عز وجل، ثم نعاملهم بعد ذلك بما تقدم ذكره امتثالاً لأمر ربنا .. » (15).

- 8 -

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير