تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الشنقيطي: «اعلم أن التحقيق الذي دلت عليه القرائن القرآنية واستقراء القرآن أن معنى قوله: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى}، أي لا تسمع الكفار - الذين أمات الله قلوبهم، وكتب عليهم الشقاء في سابق علمه - إسماع هدىً وانتفاع؛ لأن الله كتب عليهم الشقاء، فختم على قلوبهم وعلى سمعهم، وجعل على قلوبهم الأكنة، وفي آذانهم الوقر، وعلى أبصارهم الغشاوة، فلا يسمعون الحق سماع اهتداء وانتفاع».أهـ (21)

واستدل أصحاب هذا القول بأدلة منها (22):

الدليل الأول: أنَّ الله تعالى بعد أن نفى السماع عنهم قال: {وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ}، فمقابلته جلَّ وعلا الإسماع المنفي في الآية عن الموتى بالإسماع المثبت فيها - لمن يؤمن بآياته - دليلٌ واضح على أنَّ المراد بالموت في الآية موت الكفر والشقاء، لا موت مفارقة الروح للبدن، ولو كان المراد بالموت في قوله: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} مفارقة الروح للبدن لما قابل ذلك بقوله: {وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ}، بل لقابله بما يناسبه، كأن يُقال: إن تسمع إلاّ من لم يمت.

الدليل الثاني: أنَّ استقراء القرآن الكريم يدل على أن الغالب استعمال الموتى بمعنى الكفار، كقوله تعالى: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [الأنعام:36]، وقد أجمع (23) من يعتد به من أهل العلم أن المراد بالموتى في الآية هم الكفار.

وكقوله تعالى: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَل [الأنعام:122]، فقوله: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا}، أي: كافراً؛ فأحييناه، أي: بالإيمان والهدى، وهذا لا نزاع فيه بين المفسرين، وفيه إطلاق الموت وإرادة الكفر.

وكقوله: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ} [فاطر:22]، أي: لا يستوي المؤمنون والكافرون.

الدليل الثالث: أنَّ قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى}، وما في معناها من الآيات، كلها تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يحزنه عدم إيمانهم، كما بينه تعالى في آيات كثيرة، كقوله تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ} [الأنعام:33]، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُون َل [الحجر:97]، وقوله: {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} [النحل:127]، وقوله: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء:3] إلى غير ذلك من الآيات، ولما كان يحزنه كفرهم وعدم إيمانهم أنزل الله آيات كثيرة تسلية له صلى الله عليه وسلم، بَيَّنَ له فيها أنه لا قدرة له على هدي من أضله الله، ومن الآيات النازلة تسلية له صلى الله عليه وسلم، قوله هنا: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى}، أي لا تُسمع من أضله الله إسماع هدى وقبول، ولو كان معنى الآية وما شابهها: إنك لا تسمع الموتى، أي: الذين فارقت أرواحهم أبدانهم لما كان في ذلك تسلية له صلى الله عليه وسلم.

واعتُرِضَ: بأن ما ذُكِرَ من معنى آيتي النمل والروم مسلم فيه، لكن ذلك لا يمنع الاستدلال بهما على نفي سماع الموتى؛ لأنَّ الموتى لما كانوا لا يسمعون حقيقة، وكان ذلك معروفاً عند المخاطبين شبه الله تعالى بهم الكفار الأحياء في عدم السماع، فدل هذا التشبيه على أن المشبه بهم – وهم الموتى في قبورهم – لا يسمعون، كما يدل مثلاً تشبيه زيد في الشجاعة بالأسد على أن الأسد شجاع، بل هو في ذلك أقوى من زيد، ولذلك شُبِّهَ به، وإن كان الكلام لم يُسقْ للتحدث عن شجاعة الأسد نفسه، وإنما عن زيد، وكذلك آيتا النمل والروم، وإن كانتا تحدثتا عن الكفار الأحياء وشُبّهوا بموتى القبور، فذلك لا ينفي أن موتى القبور لا يسمعون، بل إنَّ كل عربي سليم السليقة، لا يفهم من تشبيه موتى الأحياء بهؤلاء إلا أن هؤلاء أقوى في عدم السماع منهم، وإذ الأمر كذلك فموتى القبور

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير