تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لا يسمعون. (24)

واعتُرِضَ أيضاً: بأنَّ الله تعالى قال في آية أخرى: {وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ} [فاطر:22] وهذه الآية صريحة بنفي سماع الأموات، ولا يتأتى حملها على المعنى الذي ذكِرَ.

وأجيب: بأن هذه الآية هي كآيتي النمل و الروم المتقدمتين، لأن المراد بقوله: {مَّن فِي الْقُبُورِ} الموتى، فلا فرق بين قوله: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} وبين قوله: {وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ}؛ لأن المراد بالموتى ومن في القبور واحد، كقوله تعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ} [الحج:7]، أي يبعث جميع الموتى، من قُبر منهم ومن لم يُقْبَر، وقد دلت قرائن قرآنية على أن معنى آية فاطر هذه كمعنى آية الروم، منها قوله تعالى قبلها: {إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} [فاطر:]؛ لأن معناها لا ينفع إنذارك إلا من هداه الله ووفقه، فصار ممن يخشى ربه بالغيب ويقيم الصلاة، وما أنت بمسمع من في القبور، أي الموتى، أي الكفار الذين سبق لهم الشقاء، ومنها قوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} [فاطر:19]، أي المؤمن والكافر وقوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ} [فاطر:22] أي المؤمنون والكفار، ومنها قوله تعالى بعدها: {إِنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ} [فاطر:23] أي ليس الإضلال والهدى بيدك، ما أنت إلا نذير وقد بلغت. (25)

القول الثاني: أنَّ الموتى في الآيات المراد بهم الذين ماتوا حقيقة، لكن المراد بالسماع المنفي هو خصوص السماع المعتاد الذي ينتفع به صاحبه، وأن هذا مثلٌ ضربه الله للكفار؛ إذ الكفار يسمعون الحق، ولكن لا ينتفعون به.

قالوا: وقد يُنفى الشيء لانتفاء فائدته وثمرته، كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179]. (26)

وهذا رأي: شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم (27)، وابن رجب (28)، والأبي (29)، وذكره ابن جرير الطبري احتمالاً آخر في معنى الآية.

قال الطبري: «معنى الآية: إنك لا تسمع الموتى إسماعاً ينتفعون به؛ لأنهم قد انقطعت عنهم الأعمال، وخرجوا من دار الأعمال إلى دار الجزاء، فلا ينفعهم دعاؤك إياهم إلى الإيمان بالله والعمل بطاعته، فكذلك هؤلاء الذين كتب ربك عليهم أنهم لا يؤمنون لا يُسْمِعُهم دعاؤك إلى الحق إسماعاً ينتفعون به؛لأن الله تعالى ذكره قد ختم عليهم أن لا يؤمنوا، كما ختم على أهل القبور من أهل الكفر أنهم لا ينفعهم بعد خروجهم من دار الدنيا إلى مساكنهم من القبور إيمان ولا عمل؛ لأن الآخرة ليست بدار امتحان، وإنما هي دار مجازاة، وكذلك تأويل قوله تعالى: âإِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ} [فاطر:22]».أهـ (30)

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «قوله: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} إنما أراد به السماع المعتاد الذي ينفع صاحبه؛ فإن هذا مثل ضُرب للكفار، والكفار تسمع الصوت، لكن لا تسمع سماع قبولٍ بفقهٍ واتباع، كما قال تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} [البقرة:171]، فهكذا الموتى الذين ضُرب لهم المثل لا يجب أن يُنفى عنهم جميع السماع المعتاد، أنواعَ السماع، كما لم يُنْفَ ذلك عن الكفار ; بل قد انتفى عنهم السماع المعتاد الذي ينتفعون به، وأما سماعٌ آخر فلا يُنفى عنهم».أهـ (31)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير