تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والذي يوضح ذلك، أن الذين جعلوا من سنة الصلاة أن يقنت دائماً بقنوت الحسن بن على، أو بسورتي أُبي، ليس معهم إلا دعاء عارض، والقنوت فيها إذا كان مشروعاً، كان مشروعاً للإمام والمأموم والمنفرد، بل وأوضح من هذا أنه لو جعل جاعل قنوت الحسن، أو سورتي أبي سنة راتبة في المغرب والعشاء، لكان حاله شبيهاً بحال من جعل ذلك سنة راتبة في الفجر؛ إذ هؤلاء ليس معهم في الفجر إلا قنوت عارض بدعاء يناسب ذلك العارض، ولم ينقل مسلم دعاء في قنوت غير هذا، كما لم ينقل ذلك في المغرب والعشاء. وإنما وقعت الشبهة لبعض العلماء في الفجر؛ لأن القنوت فيها كان أكثر، وهي أطول. والقنوت يتبع الصلاة، وبلغهم أنه داوم عليه، فظنوا أن السنة المداومة عليه، ثم لم يجدوا معهم سنة بدعائه. فسنوا هذه الأدعية المأثورة في الوتر، مع أنهم لا يرون ذلك سنة راتبة في الوتر.

وهذا النزاع الذي وقع في القنوت له نظائر كثيرة في الشريعة: فكثيراً ما يفعل النبي صلى الله عليه وسلم لسبب، فيجعله بعض الناس سنة، ولا يميز بين السنة الدائمة والعارضة. وبعض الناس يري أنه لم يكن يفعله في أغلب الأوقات، فيراه بدعة، ويجعل فعله في بعض الأوقات مخصوصاً أو منسوخا، إن كان قد بلغه ذلك، مثل صلاة التطوع في جماعة. فإنه قد ثبت عنه في الصحيح: أنه صلى بالليل وخلفه ابن / عباس مرة، وحذيفة بن اليمان مرة، وكذلك غيرهما. وكذلك صلى بعتبان بن مالك في بيته التطوع جماعة، وصلى بأنس ابن مالك وأمه واليتيم في داره، فمن الناس من يجعل هذا فيما يحدث من [صلاة الألفية] ليلة نصف شعبان، والرغائب، ونحوهما مما يداومون فيه على الجماعات.

ومن الناس من يكره التطوع؛ لأنه رأي أن الجماعة إنما سنت في الخمس، كما أن الأذان إنما سن في الخمس. ومعلوم أن الصواب هو ما جاءت به السنة، فلا يكره أن يتطوع في جماعة. كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. ولا يجعل ذلك سنة راتبة. كمن يقيم للمسجد إمامًا راتباً يصلي بالناس بين العشائين، أو في جوف الليل، كما يصلي بهم الصلوات الخمس، كما ليس له أن يجعل للعيدين وغيرهما أذاناً كأذان الخمس؛ ولهذا أنكر الصحابة على من فعل هذا من ولاة الأمور إذ ذاك.

ويشبه ذلك من بعض الوجوه تنازع العلماء في مقدار القيام في رمضان، فإنه قد ثبت أن أبي بن كعب كان يقوم بالناس عشرين ركعة في قيام رمضان، ويوتر بثلاث. فرأي كثير من العلماء أن ذلك هو السنة؛ لأنه أقامه بين المهاجرين والأنصار، ولم ينكره منكر. واستحب آخرون تسعة وثلاثين ركعة؛ بناء على أنه عمل أهل المدينة القديم.

/وقال طائفة: قد ثبت في الصحيح عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة، واضطرب قوم في هذا الأصل، لما ظنوه من معارضة الحديث الصحيح لما ثبت من سنة الخلفاء الراشدين، وعمل المسلمين.

والصواب أن ذلك جميعه حسن، كما قد نص على ذلك الإمام أحمد ـ رضي الله عنه ـ وأنه لا يتوقت في قيام رمضان عدد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوقت فيها عدداً. وحينئذ، فيكون تكثير الركعات وتقليلها، بحسب طول القيام وقصره.

فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل القيام بالليل، حتى إنه قد ثبت عنه في الصحيح من حديث حذيفة أنه كان يقرأ في الركعة بالبقرة، والنساء، وآل عمران فكان طول القيام يغني عن تكثير الركعات. وأبي بن كعب لما قام بهم ـ وهم جماعة واحدة ـ لم يمكن أن يطيل بهم القيام. فكثر الركعات ليكون ذلك عوضاً عن طول القيام، وجعلوا ذلك ضعف عدد ركعاته، فإنه كان يقوم بالليل إحدي عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة، ثم بعد ذلك كان الناس بالمدينة ضعفوا عن طول القيام فكثروا الركعات حتى بلغت تسعاً وثلاثين.

/ومما يناسب هذا أن الله ـ تعالى ـ لما فرض الصلوات الخمس بمكة، فرضها ركعتين ركعتين، ثم أقرت في السفر، وزيد في صلاة الحضر، كما ثبت ذلك في الصحيح عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت: لما هاجر إلى المدينة زيد في صلاة الحضر، وجعلت صلاة المغرب ثلاثا؛ لأنها وتر النهار، وأما صلاة الفجر فأقرت ركعتين لأجل تطويل القراءة فيها، فأغني ذلك عن تكثير الركعات.

وقد تنازع العلماء: أيما أفضل: إطالة القيام أم تكثير الركوع والسجود أم هما سواء؟ على ثلاثة أقوال: وهي ثلاث روايات عن أحمد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير