وقد ثبت عنه في الصحيح أي الصلاة أفضل؟ قال: [طول القنوت]. وثبت عنه أنه قال: (إنك لن تسجد للَّه سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة). وقال لربيعة بن كعب: (أعني على نفسك بكثرة السجود).
ومعلوم أن السجود في نفسه أفضل من القيام، ولكن ذكر القيام أفضل، وهو القراءة، وتحقيق الأمر أن الأفضل في الصلاة أن تكون معتدلة. فإذا أطال القيام يطيل الركوع والسجود، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل، كما رواه حذيفة وغيره. وهكذا / كانت صلاته الفريضة، وصلاة الكسوف، وغيرهما: كانت صلاته معتدلة، فإن فضل مفضل إطالة القيام والركوع والسجود مع تقليل الركعات وتخفيف القيام والركوع والسجود مع تكثير الركعات، فهذان متقاربان. وقد يكون هذا أفضل في حال، كما أنه لما صلى الضحي يوم الفتح صلى ثماني ركعات يخففهن، ولم يقتصر على ركعتين طويلتين. وكما فعل الصحابة في قيام رمضان لما شق على المأمومين إطالة القيام.
وقد تبين بما ذكرناه أن القنوت يكون عند النوازل، وأن الدعاء في القنوت ليس شيئاً معيناً، ولا يدعو بما خطر له، بل يدعو من الدعاء المشروع بما يناسب سبب القنوت، كما إنه إذا دعا في الاستسقاء دعا بما يناسب المقصود، فكذلك إذا دعا في الاستنصار دعا بما يناسب المقصود، كما لو دعا خارج الصلاة لذلك السبب؛ فإنه كان يدعو بما يناسب المقصود، فهذا هو الذي جاءت به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين.
ومن قال: إنه من أبعاض الصلاة التي يجبر بسجود السهو، فإنه بني ذلك على أنه سنة يسن المداومة عليه، بمنزلة التشهد الأول، ونحوه. وقد تبين أن الأمر ليس كذلك، فليس بسنة راتبة، ولا يسجد له، لكن من اعتقد ذلك متأولاً في ذلك له تأويله، كسائر موارد الاجتهاد.
ولهذا ينبغي للمأموم أن يتبع إمامه فيما يسوغ فيه الاجتهاد، / فإذا قَنَتَ قَنَتَ معه، وإن ترك القنوت لم يقنت، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به). وقال: (لا تختلفوا على أئمتكم)، وثبت عنه في الصحيح أنه قال: (يُصَلُّون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم). ألا تري أن الإمام لو قرأ في الأخيرتين بسورة مع الفاتحة وطولهما على الأوليين: لوجبت متابعته في ذلك. أما مسابقة الإمام، فإنها لا تجوز.
فإذا قنت لم يكن للمأموم أن يسابقه، فلابد من متابعته، ولهذا كان عبد الله بن مسعود قد أنكر على عثمان التربيع بمني، ثم إنه صلى خلفه أربعاً، فقيل له: في ذلك؟! فقال: الخلاف شر. وكذلك أنس بن مالك لما سأله رجل عن وقت الرمي، فأخبره، ثم قال: افعل كما يفعل إمامك. والله أعلم.
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[25 - 05 - 04, 08:20 ص]ـ
وقال الحافظ ابن عبدالبر رحمه الله في الاستذكار
وَأَمَّا القُنوتُ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ فَاخْتَلَفَتِ الآثارُ المُسْنَدَةُ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ فِيهِ عَنْ أبي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَغَيرِهِم.
فَرُوِيَ عَنْهُم القُنوتُ وَتَرْكُ القُنوتِ مِنَ الفَجْرِ.
وَكَذَلِكَ اخْتُلِفَ عَنْهُم فِي القُنوتِ قَبْلَ الرَّكُوعِ وَبَعْدَهُ.
وَقَدْ أَكْثَرَ فِي ذَلِكَ المُصَنِّفُونَ: ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرُهُ.
وَالأَكْثَرُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ أنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ مُتَّصِلَةٍ صِحَاحٍ.
وَأمَّا ابْنُ عُمَرَ فكَانَ لا يَقنُتُ. لَمْ يُخْتَلَفْ عَنْهُ فِي ذَلِكَ.
وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نجيحٍ، قَالَ: قُلْتُ لِمُجَاهِدٍ: صَحبْتُ ابْنَ عُمَرَ إِلى المَدِينَة فَهَلْ رَأيتُه يَقنُتُ؟ قَالَ: لا، قَالَ: وَلقيتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَقُلْتُ لَهُ: أَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقْنُتُ؟ قَالَ: لاَ إِنَّمَا هُوَ شَيءٌ أَحْدَثَهُ النَّاسُ.
سُفْيَانُ، عَنْ ابْنِ أبِي نجيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحمنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخطَّابِ كَانَ يَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ.
وَسُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُريحٍ، عَنْ عطاءٍ، عن عُبيدِ بْنِ عُميرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخطَّابِ يقنُتُ فِي الصُّبْحِ هَا هُنَا بِمَكَّةَ.
¥