وقد نبه عدد من الأئمة إلى انتقاء المسند، يقول أبو موسى المديني: "هذا الكتاب أصل كبير، ومرجع وثيق لأصحاب الحديث، أُنتقي من حديث كثير، ومسموعات وافرة، فجعله إماماً ومعتمداً، وعند التنازع ملجأ ومستنداً "، ويقول الذهبي: "فإنه محتو على أكثر الحديث النبوي، وقلَّ أن يثبت حديث إلا وهو فيه ... وقلَّ أن تجد فيه خبراً ساقطاً "، ويقول الحافظ ابن حجر: "لا يشك منصف أن مسنده أنقى أحاديث وأتقن رجالاً من غيره، وهذا يدل على أنه انتخبه ".
وقال الإمام أحمد: "لم أذكر فيه ما أجمع الناس على تركه "،وهذا شرط أبي داود قاله أبو عبد الله: محمد بن عبد الله الزركشي – ت 794هـ -، وقال أيضاً: "أخبرني شيخنا أبوالعباس ابن تيمية أنه اعتبر مسند أحمد فوجد أكثره على شرط أبي داود ".
والذي يظهر أن المسند أجود من سنن أبي داود، فقد قال شيخ الإسلام أبو العباس: أحمد بن عبدالحليم بن تيمية الحراني الدمشقي – ت 728هـ-: "نزه أحمد مسنده عن أحاديث جماعة يروي عنهم أهل السنن كأبي داود والترمذي، مثل: مشيخة كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده، وإن كان أبو داود يروي في سننه منها، فشرط أحمد في مسنده أجود من شرط أبي داود في سننه ".
ومن الجدير بالذكر أن ما تقدم لا يلزم منه عدم وجود الأحاديث الضعيفة بل والقليل من الأحاديث الموضوعة، فقد قال ابنه عبد الله: "أخرج فيه أحاديث معلولة بعضها ذكر عللها، وسائرها في كتاب العلل لئلا يخرج في الصحيح "، وقد ذكر عدد من العلماء أحاديث موضوعة فيه، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية حيث يقول: "ليس كل حديث رواه أحمد ... في مسنده، يقول إنه صحيح، بل أحاديث مسنده هي التي رواها الناس عمن هو معروف عند الناس بالنقل ولم يظهر كذبه، وقد يكون في بعضها علة تدل على أنه ضعيف بل باطل لكن غالبها وجمهورها أحاديث جيدة يُحتج بها، وهي أجود من أحاديث سنن أبي داود "، ويقول أبو الفداء: إسماعيل ابن عمر بن كثير الدمشقي – ت 774هـ -: "فيه أحاديث ضعيفة بل موضوعة، كأحاديث فضائل مرو، وشهداء عسقلان "، ويقول الحافظ عبد الرحيم بن الحسين العراقي– ت 806هـ-: "أما وجود الضعيف فيه فهو محقق، بل فيه أحاديث موضوعة وقد جمعتها في جزء، وقد ضعف الإمام أحمد نفسه أحاديث فيه "، ويقول الزركشي: "في المسند أحاديث سئل عنها فضعفها وأنكرها"، ويقول ابن حجر: "الحق أن أحاديثه غالبها جياد، والضعاف منها إنما يوردها للمتابعات، وفيه القليل من الضعاف والغرائب والأفراد، أخرجها ثم صار يضرب عليها شيئاً فشيئاً، وبقى منها بعده بقية ".
والتحقيق أن الأحاديث الموضوعة على ضربين:
أحدهما: ما استدل على وضعها بكذب أحد رواتها، وهذه لم يخرجها الإمام أحمد في مسنده.
الآخر: ما استدل على وضعها وبطلانها بدليل منفصل، وهو الذي يندرج تحته ما ذكر في المسند من الأحاديث الموضوعة، بل يوجد من ذلك في كتب السنن وغيرها، والحجة في هذا التفصيل قول شيخ الإسلام ابن تيمية: "تنازع الحافظ أبو العلاء الهمداني والشيخ أبو الفرج ابن الجوزي: هل في المسند حديث موضوع، فأنكر الحافظ أبو العلاء أن يكون في المسند حديث موضوع، وأثبت ذلك أبو الفرج وبَيَّن أن فيه أحاديث قد علم أنها باطلة، ولا منافاة بين القولين فإن الموضوع في اصطلاح أبي الفرج هو الذي قام دليل على أنه باطل ... والغالب على ما ذكره في الموضوعات أنه باطل باتفاق العلماء، وأما الحافظ أبو العلاء وأمثاله فإنما يريدون بالموضوع: المختلق المصنوع الذي تعمد صاحبه الكذب "،وقال في موضع آخر: "من قد يغلط في الحديث ولا يتعمد الكذب ... توجد الرواية عنهم في السنن ومسند الإمام أحمد ونحوه، بخلاف من يتعمد الكذب، فإن أحمد لم يرو في مسنده عن أحد من هؤلاء " 2.
الحواشي:
الجامع لأخلاق الراوي 2/ 284
انظر: هدي الساري –مقدمة فتح الباري-، للحافظ ابن حجر 6
خصائص المسند، لأبي موسى المديني 25
التذكرة بمعرفة رجال العشرة 1/ 3
المجمع المؤسس 2/ 32
برنامجه 198.
المجمع المؤسس 2/ 32
171
خصائص المسند 23
ترتيب أسماء الصحابة 30
التذكرة 1/ 3
ترتيب أسماء الصحابة 33
المصعد الأحمد 30
المعجم المفهرس 129/ 476
علوم الحديث 38
خصائص المسند 22
المصدر نفسه 21.
المصعد الأحمد 31
المصدر نفسه.
هو: ناصح بن عبد الله التميمي المُحَلِّمي الحائك أبو عبد الله، وبالدراسة لحاله يتبين أنه: متروك الحديث، فقد قال ابن معين وأبو داود: "ليس بشيء"، وقال البخاري وأبو حاتم: "منكر الحديث"، وزاد أبو حاتم: "ضعيف الحديث"، وقال أبو أحمد الحاكم: "ذاهب الحديث "،وقال ابن حبان في المجروحين: "استحق الترك "، وقال الفلاس: "متروك الحديث "، وضعفه النسائي والترمذي والدارقطني وابن عدي، وذكر أبو حاتم والفلاس وأبو عبد الله الحاكم وابن عدي أنه روى عن سِمَاك عن جابر بن سَمُرَة منكرات، وقال أبو حاتم: "كأنه لا يعرف غير سِمَاك "، وروايته هذه التي في المسند من هذا الوجه، وقد ذكر ابن عدي أنه من جملة شيعة أهل الكوفة، وقال ابن حجر في فتح الباري: "ضعيف جداً ".
انظر: تاريخ الدوري 1235، 3291، والضعفاء الصغير للبخاري 384، والتاريخ الكبير 8/ 122، والجرح والتعديل 8/ 502، وسؤالات الآجُرِّي لأبي داود 380، 894، وجامع الترمذي 4/ 337، والضعفاء والمتروكين للنسائي 612، والمجروحين لابن حبان 3/ 54، والضعفاء والمتروكين للدارقطني 537، والكامل لابن عدي 7/ 2510، والميزان 4/ 240، وتهذيب التهذيب 10/ 358، وفتح الباري 11/ 243.
المسند 5/ 96
خصائص المسند لأبي موسى المديني 26، وذكر نماذج أخرى.
المصدر نفسه.
المصعد الأحمد 34
يعني من المسانيد؛ لأن كلام ابن حجر في المسانيد.
النكت على كتاب ابن الصلاح 1/ 447
النكت على كتاب ابن الصلاح للزركشي 1/ 356
المصدر نفسه.
النكت على كتاب ابن الصلاح للزركشي 1/ 356
قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة 95
الفهرسة لابن خير 140
منهاج السنة 4/ 61
اختصار علوم الحديث 1/ 117
التقييد والإيضاح 42
النكت على مقدمة ابن الصلاح 1/ 362
تعجيل المنفعة 1/ 240
2 قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة 94.
¥