تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

القول الثالث: وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَة وَجَمَاعَة مِنْ أَهْل الْكُوفَة وَالْمُزَنِيُّ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّه أَنَّهُ لا يَكْفُر , وَلا يُقْتَل , بَلْ يُعَزَّر وَيُحْبَس حَتَّى يُصَلِّي .. وهذا القول يتفق مع أصحاب القول الثاني في عدم تكفيره، ويختلف عنهم في مسألة القتل، وقولهم هذا غير معتبر لمخالفته للأدلة، فالأدلة اجتمعت على قتل تارك الصلاة والخلاف بين العلماء في: هل قتله هذا من باب الكفر أو من باب إقامة الحد، حتى الذين قالوا بقتله حدًا منهم من يقول يستتاب فإن تاب وإلا قتل ومنهم من يقول يقتل حدًا وإن تاب وجعلوه كقتل الزاني .. ذكر ذلك ابن القيم في الصلاة وحكم تاركها.

والعجيب أن من قال بقتل تارك الصلاة حدًا يستدل بقوله تعالى ((فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ)) (سورة التوبة 5) فيقولون إن الله أمر بقتل تارك الصلاة إلا أن يتوب ويقيم الصلاة .. فإذا كانوا يستدلون بهذه الآية الكريمة على قتل تارك الصلاة، فالأولى بهم أن يحكموا عليه بالكفر كما تدل الآية.

_ والراجح هو القول الأول، وهو كفر تارك الصلاة وأنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وهذا الذي دل عليه الكتاب والسنة وإجماع الصحابة، والعبرة بالدليل، وليست العبرة بكثرة القائلين.

قال ابن باز رحمه الله: القول الصواب الذي تقتضيه الأدلة هو أن ترك الصلاة كفر أكبر ولو لم يجحد وجوبها، ولو قال الجمهور بخلافه، فإن المناط هو الأدلة، وليس المناط كثرة القائلين، فالحكم معلق بالأدلة، والترجيح يكون بالأدلة، وقد قامت الأدلة على كفر تارك الصلاة كفرًا أكبر. [2] .. وفيما يلي ذكر الأدلة:

الأدلة من القرآن الكريم

1ـ قال تعالى ((فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) (5 التوبة)

قال ابن كثير: اعتمد الصديق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في قتال مانعي الزكاة على هذه الآية الكريمة وأمثالها حيث حرمت قتالهم بشرط هذه الأفعال وهي الدخول في الإسلام والقيام بأداء واجباته

وقال أنس: هو دين الله الذي جاءت به الرسل وبلغوه عن ربهم قبل هرج الأحاديث واختلاف الأهواء وتصديق ذلك في كتاب الله في آخر ما أنزل قال الله تعالى " فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم " قال: توبتهم خلع الأوثان وعبادة ربهم وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة.

قال القرطبي: هذه الآية فيها تأمل, وذلك أن الله تعالى علق القتل على الشرك, ثم قال: "فإن تابوا". والأصل أن القتل متى كان الشرك يزول بزواله, وذلك يقتضي زوال القتل بمجرد التوبة, من غير اعتبار إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة, ولذلك سقط القتل بمجرد التوبة قبل وقت الصلاة والزكاة. وهذا بين في هدا المعنى, غير أن الله تعالى ذكر التوبة وذكر معها شرطين آخرين, فلا سبيل إلى إلغائهما. نظيره قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله). وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: (والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة, فإن الزكاة حق المال) وقال ابن عباس: رحم الله أبا بكر ما كان أفقهه.

وقال ابن العربي: فانتظم القرآن والسنة واطردا. ولا خلاف بين المسلمين أن من ترك الصلاة وسائر الفرائض مستحلا كفر, ومن ترك السنن متهاونا فسق, ومن ترك النوافل لم يحرج, إلا أن يجحد فضلها فيكفر, لأنه يصير رادا على الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما جاء به وأخبر عنه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير