تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهي في اللغة من النوح، والنياحة على الميت هي البكاء عليه بجزع وعويل (2).

وأما في الاصطلاح فهي موافقة للمعنى اللغوي قال النووي ـ رحمه الله تعالى ـ: (والنياحة رفع الصوت بالندب) (3).

وقد وسَّع بعض أهل العلم معنى النياحة فجعل منها كل ما هيَّج المصيبة من وعظ أو إنشاء شعر، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية (4).

ومن هذا يتبين أن النياحة هي إظهار الجزع والتسخط على موت الميت.

قال الإمام القرافي (ت723هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ: (وصورته: أن تقول النائحة لفظاً يقتضي فرط جمال الميت وحسنه وكمال شجاعته وبراعته وأبهته ورئاسته وتبالغ فيما كان يفعل من إكرام الضيف والضرب بالسيف والذب عن الحريم والجار إلى غير ذلك من صفات الميت التي يقتضي مثلها ألاَّ يموت، فإن بموته تنقطع هذه المصالح ويعز وجود مثل الموصوف بهذه الصفات ويعظم التفجع على فقد مثله، وأن الحكمة كانت بقاءه وتطويل عمره لتكثر تلك المصالح في العالم. فمتى كان لفظها مشتملاً على هذا كان حراماً، وهذا شرح النوح؛ وتارة لا تصل إلى هذه الغاية غير أنها تبعد السلوة عن أهل الميت وتهيج الأسف عليهم، فيؤدي ذلك إلى تعذيب نفوسهم وقلة صبرهم وضجرهم، وربما بعثهم ذلك على القنوط وشق الجيوب وضرب الخدود، فهذا أيضاً حرام" (1).

ثالثاً: الرثاء:

وهو في اللغة بكاء الميت بعد موته ومدحه، وكذا إذا عددت محاسنه، وكذلك إذا نظمت فيه شعراً (2).

ويراد به أيضاً التوجع من الوقوع في مكروه (3). ومنه قول سعد بن أبي وقاص ? في قول النبي ? له:" لكن البائس سعد بن خولة"، يرثي له رسول الله ? أن مات بمكة (4).

مسألة: حكم النعي:

وقبل الشروع في الحديث عن حكم النعي لا بد من معرفة ما ورد من أدلة في ذلك، حتى نكون على بينة في بناء الأحكام الشرعية، لأن الأحكام الشرعية لا تقوم إلا على دليل صحيح، وإلا لما كانت صحيحة.

وعند الدراسة وجدت أن هناك أحاديث تدل على منع النعي، وأخرى على جوازه وهي كالتالي:

أ- أدلة النهي عن النعي:

ورد النهي عن النعي عن النبي ? في حديثين فقط، حديث حذيفة بن اليمان ?، وحديث ابن مسعود ?.

الحديث الأول:

حديث حذيفة ? قال: (إذا مت فلا تؤذنوا بي، إني أخاف أن يكوناً نعياً، فإني سمعت رسول الله ? ينهى عن النعي).

هكذا رواه غير واحد عن حبيب بن سليم القبسي عن بلال بن يحيى العبسي عن حذيفة بن اليمان ?.

أخرجه أحمد (5/ 385)، وابن أبي شيبة (3/ 274 - 275)، والترمذي كتاب الجنائز: باب ما جاء في كراهية النعي (3/ 303). واللفظ له.

وأخرجه البيهقي (4/ 74) عن حبيب عن بلال قال: (كان حذيفة إذا كانت في أهله جنازة ... ) فذكره.

وهو عند ابن ماجة كتاب الجنائز: باب ما جاء في النهي عن النعي (1/ 474برقم1476) عن حبيب، عن بلال بن يحيى قال: (كان حذيفة إذا مات له الميت، قال: لا تؤذنوا به أحد ... ) فذكره.

وأخرجه أحمد بنحوه، وعنه المزي (1) في ترجمة (حبيب بن سليم الكوفي).

وقال الترمذي في سننه (3/ 304): حسن صحيح، وفي تهذيب الكمال (2/ 47)، وتحفة الأحوذي (4/ 51) قالا: (حسن) فقط، وهكذا نقله الألباني في (أحكام الجنائز:44)، وهذا من اختلاف النسخ.

وبلال بن يحيى العبسي الكوفي، قال ابن حجر (2): (قال الدراوردي عن ابن معين: روايته عن حذيفة مرسلة؛ وفي كتاب ابن أبي حاتم وجدته يقول: بلغني عن حذيفة).

وقال ابن القطان: (هو ثقة، روى عن حذيفة أحاديث معنعنة ليس في شيء منها ذكر سماع، وقد صحح الترمذي حديثه عن حذيفة، فمعتقده ـ والله أعلم ـ أنه سمع منه).

وقد سبق اختلاف نسخ الترمذي في ذلك، ولا يقوى هذا لأن يكون دليلاً على نسبة تصحيح الترمذي لسماع بلال من حذيفة.

فالإسناد مرسل، وبلال عن حذيفة مرسل، ثم إن حبيب بن سليم قال عنه الذهبي (1): (صالح الحديث)، وقال ابن حجر (2): (مقبول)، فالرجل ليس بحجة.

وأما توثيق ابن حبان له، فقد علم تساهل ابن حبان، فقد اشترط ألا يدخل في ثقاته إلا من توفرت فيه عدة أشياء ذكرها في مقدمة ثقاته، وفي غير موضع، ومع ذلك أخل بشروطه، ووضع في ثقاته أناساً لا يُعرفون؛ بل لا يعرفهم هو نفسه كما ينص على ذلك أحياناً، ونبه على ذلك ابن عبد الهادي في (الصارم المنكي)، والعلائي، وابن حجر في (اللسان)، وغيرهم (3).

فالحديث ضعيف لضعف بعض رواته، مع اضطراب لفظه، فلا تقوم به حجة ـ والله تعالى أعلم ـ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير