وأما تحسين الحافظ ابن حجر له في الفتح (4)، وما تابعه عليه الألباني (5)، وغير واحد ففيه نظر لما سبق بيانه.
الحديث الثاني:
حديث عبدالله بن مسعود ? عن النبي ? قال:"إياكم والنعي، فإن النعي من عمل أهل الجاهلية".
قال عبدالله: (والنعي آذان بالميت).
فهذا الحديث قد انفرد به الترمذي فرواه عن محمد بن حميد الرازي، حدثنا حكَّام بن سلم، وهارون بن المغيرة عن عنبسة عن أبي حمزة عن إبراهيم عن علقمة عن عبدالله بن مسعود ? عن النبي ? فذكره.
ومحمد بن حميد الرازي قد تُكلم فيه؛ قال البخاري: في حديثه نظر، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال الجوزجاني: رديء المذهب غير ثقة، وقال فضلك الرازي: عندي عن ابن حميد خمسون ألفاً لا أحدث عنه بحرف، وقال صالح بن محمد الأسدي: ما رأيت أحداً أحذق بالكذب من رجلين سليمان الشاذكوني، ومحمد بن حميد، وقال أبو زرعة عنه: كان يكذب (1).
وأما حكَّام بن سلم فقال عنه الحافظ ابن حجر (2): (ثقة له غرائب).
وأما أبو حمزة فهو ميمون الأعور كما صرح بذلك الترمذي في جامعه. وقال عنه: ليس بالقوي عند أهل الحديث (3).
وقال عنه الحافظ ابن حجر (1): (ضعيف).
فبهذا يظهر أن السند لا يصح رفعه إلى النبي ?، لضعف محمد بن حميد، وأبي حمزة الأعور.
وقد وقع عند الترمذي عن عبدالله عن النبي ? نحوه ولم يرفعه، ولم يذكر فيه: (والنعي آذان الميت). فهذا الحديث موقوف.
ورجح الترمذي وقفه في سننه، وقال: (وهذا أصح من حديث عنبسة عن أبي حمزة) (2).
وصحح وقفه أيضاً البغوي فقال: (ورفعه بعضهم والوقف أصح) (3).
ومدار هذا الأثر على أبي حمزة الأعور، وقد سبق بيان حاله، وأن الرجل ضعيف ليس بحجة.
فالحديث لا يصح مرفوعاً، ولا موقوفاً.
وبهذا يظهر أن أحاديث النعي لا يصح منها شيءٌ.
ب- أدلة جواز النعي:
1 - عن أبي هريرة ? أن النبي ?:" نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه" (1).
قال النووي (ت676هـ): (وفيه استحباب الإعلام بالميت) (2).
وقال البغوي (ت516هـ): (وذهب قومٌ إلى أن النعي لا بأس به) (3).
وقال الصنعاني (ت1182هـ): (فيه دليل على أن النعي اسم للإعلام بالموت، وأنه لمجرد الإعلام جائز) (4).
2 - عن أنس بن مالك ? قال: قال النبي ?:" أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب، وإن عيني رسول الله ? لتذرفان ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرة ففتح له" (5).
قال الحافظ ابن حجر (ت852هـ): (وفي الحديث جواز الإعلام بموت الميت، ولا يكون ذلك من النعي المنهي عنه) (1).
3 - عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله ? مر بقبر قد دفن ليلاً فقال:" متى دفن هذا؟ " قالوا: البارحة قال:" أفلا آذنتموني"، قالوا: دفناه في ظلمة الليل، فكرهنا أن نوقظك، فقام فصففنا خلفه، قال ابن عباس: وأنا فيهم فصلى عليه (2).
قال الإمام النووي (ت676هـ): (وفيه دلالة لاستحباب الإعلام بالميت) (3).
4 - عن أبي هريرة ? أن رجلاً أسود أو امرأة سوداء كان يقم المسجد فمات، فسأل النبي ? عنه، فقالوا: مات، قال:" أفلا كنتم آذنتموني به دلوني على قبره" أو قال: "قبرها فأتى قبرها فصلى عليها" (4).
5 - عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن النبي ? قال:" ما من ميت تصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه" (1).
6 - عن أبي هريرة ? قال: قال رسول الله ?:" من شهد الجنازة حتى يصلي فله قيراط، ومن شهد حتى تدفن كان له قيراطان"، قيل وما القيراطان؟ قال:" مثل الجبلين العظيمين" (2).
ففي هذين الحديثين ندب من النبي ? لحضور الجنازة، والصلاة عليه، ولا يمكن إدراك ذلك الفضل إلا بالإعلام لحضور هذه الجنازة، فدل ذلك على جواز النعي.
7 - عن الفريعة بنت مالك ـ رضي الله عنها ـ قالت: خرج زوجي في طلب أعلاج له (1)، فأدركهم بطرف القدوم (2)، فقتلوه؛ فجاء نعي زوجي وأنا في دار من دور الأنصار شاسعة عن دار أهلي، فأتيت النبي ?، فقلت: يا رسول الله جاء نعي زوجي وأنا في دار شاسعة عن دار أهلي، ودار إخوتي، ولم يدع مالاً ينفق علي، ولا مالاً ورثته، ولا داراً يملكها، فإن رأيت أن تأذن لي فألحق بدار أهلي ودار إخوتي فإنه أحب إلي وأجمع لي في بعض أمري؛ قال:" فافعلي إن شئت"، قالت: فخرجت قريرة عيني لما قضى الله لي على لسان رسول الله ? حتى إذا كنت في المسجد، أو في بعض الحجرة، دعاني فقال:"كيف زعمت؟ " قالت:
¥