في - ذات الله - الحديث» [26]. قالوا هذا الحديث لا يصح؛ لأنه يتعارض مع قوله تعالى:] وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِياًّ [(مريم: 41).
وتناسوا بقية الحديث وما جاء فيه مؤكداً لكتاب الله عز وجل وأنه لا تعارض ففي الحديث: «ثنتين» في الله: قوله:] فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ [(الصافات: 89)
وقوله تعالى:] بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا [(الأنبياء: 63) وواحدة في شأن سارة
وقوله: «أختي».
وجمع العلماء ووفقوا فقالوا: ليس المراد بالكذب هنا حقيقته، وإنما هو من
باب المعاريض، وكان ذلك من إبراهيم عليه السلام على طريق الاستفهام الذي
يقصد به التوبيخ. وعلى كل الأحوال فالحديث هنا لم يعارض القرآن بل جاء مؤكداً
لما جاء في القرآن، وإلا فليبينوا لنا هم حقيقة هذا التعارض؟!!
رابعاً: شبهة أن الوضع وكثرة الوضاعين للحديث
أضعفت الثقة بالسنة الشريفة:
واستدل بتلك الشبهة من استدل بالشبهة السابقة، ونزيد عليهم هنا السيد صالح
أبو بكر [27]، و حسين أحمد أمين [28]، و أحمد أمين [29] و عبد الله النعيم [30]،
و سعيد العشماوي [31]، و صالح الورداني [32]، والمستشار عبد الجواد ياسين [33]، و نصر أبو زيد [34]، و زكريا عباس داود [35]، و حولة نهر [36]، و موريس
بوكاي [37]، و مرتضى العسكري [38]، والدكتور مصطفى محمود في مقالاته عن
الشفاعة المشار إليها سابقاً.
والجواب:
نقول: صحيح أنه كان هناك وضاعون وكذابون لفَّقوا أقوالاً، ونسبوها إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الأمر لم يكن بهذه البساطة التي تخيلها
أصحاب هذه الشبهة، وأثاروا بها الوساوس في النفوس، وقد جهلوا أو تجاهلوا
الحقائق التي سادت الحياة الإسلامية فيما يتعلق بالسنة النبوية، فقد كان إلى جانب
ذلك عدد وفير من الرواة الثقات المتقنين العدول، وعدد وفير من العلماء الذين
أحاطوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بسياج قوي يعسر على الأفاكين
اختراقه، واستطاع هؤلاء المحدِّثون بسعة اطلاعهم، ونفاذ بصيرتهم أن يعرفوا
الوضاعين، وأن يقفوا على نواياهم ودوافعهم، وأن يضعوا أيديهم على كل ما نسب
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل الوضع والكذب فهؤلاء الوضاعون
لم يترك لهم الحبل على الغارب يعبثون في الحديث النبوي كما يشاؤون، ولم يترك
لهم المجال لأن يندسوا بين رواة الأحاديث النبوية الثقات العدول دون أن يعرفوا.
وإلا فمَنْ إذن الذي كشف كذب الكفرة والزنادقة وغلاة المبتدعين؟
ومَنِ الذي عرَّف بالموضوع، وبأسبابه، وبأصنافه، وبعلاماته، وصنف فيه
المصنفات المتعددة؟
إنهم حراس الدين خلفاء الله وجنوده في أرضه، إنهم الجهابذة الذين قال فيهم
هارون الرشيد لما أخذ زنديقاً فأمر بضرب عنقه فقال له الزنديق: لِمَ تضرب عنقي؟ قال: لأريح العباد منك، فقال: يا أمير المؤمنين! أين أنت من ألف حديث وفي
رواية أربعة آلاف حديث وضعتها فيكم، أحرِّم فيها الحلال، وأحلل فيها الحرام،
ما قال النبي منها حرفاً؟ فقال له هارون الرشيد: أين أنت يا عدو الله من أبي
إسحاق الفزاري و عبد الله بن المبارك؟ فإنهما ينخلانها نخلاً فيخرجانها حرفاً
حرفاً [39].
يقول الأستاذ محمد أسد: «فوجود الأحاديث الموضوعة إذن لا يمكن أن
يكون دليلاً على ضعف نظام الحديث في مجموعه؛ لأن تلك الأحاديث الموضوعة
لم تَخْفَ قط على المحدثين كما يزعم بعض النقاد الأوروبيين عن سذاجة، وتابعهم
على ذلك بعض أدعياء من أبناء أمتنا الإسلامية» [40].
ونختم هذه الشبهة بما ذكره الإمام ابن قيم الجوزية: قال الإمام أبو المظفر
السمعاني: «فإن قالوا: قد كثرت الآثار في أيدي الناس واختلطت عليهم، قلنا:
ما اختلطت إلا على الجاهلين بها، فأما العلماء بها فإنهم ينتقدونها انتقاد الجهابذة
الدراهمَ، والدنانيرَ، فيميزون زيوفها ويأخذون خيارها، ولئن دخل في أغمار
الرواة من وسم بالغلط في الأحاديث فلا يروج ذلك على جهابذة أصحاب الحديث،
ورواته العلماء حتى إنهم عدُّوا أغاليط من غلط في الإسناد والمتون، بل تراهم
يعدون على كل واحد منهم كم في حديث غلط، وفي كل حرف حرَّف، وماذا
¥