تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وفي أصول الفقه مثل جمع الجوامع، والتنقيح لابن صدر الشريعة، والمنار للنسفي، أو مختصر المنتهى لابن الحاجب، أو غاية السول لابن الإمام، وشرح من شروح هذه المختصرات المذكورة، مع أن فيها جميعها ما لا تدعو إليه حاجة، بل غالبها كذلك، ولا سيما تلك التدقيقات التي في شروحها، وحواشيها فإنها عن علم الكتاب والسنة بمعزل، ولكنه جاء في المتأخرين من اشتغل بعلوم أخرى خارجة عن العلوم الشرعية ثم استعملها في العلوم الشرعية، فجاء من بعده فظن أنها من علوم الشريعة، فبعدت عليه المسافة، وطالت عليه الطرق فربما بات دون المنزل، ولم يبلغ إلى مقصده، فإن وصل بذهن كليل، وفهم عليل؛ لأنه قد استفرغ قوته في مقدماته، وهذا مشاهد معلوم فإن غالب طلبة علوم الاجتهاد تنقضي أعمارهم في تحقيق الآلات، وتدقيقها ومنهم من لا يفتح كتابا من كتب السنة، ولا سفرا من أسفار التفسير، فَحَالُ هذا كحالِ من حصل الكاغد [يعني الورق]، والحبر، وبرى أقلامه، ولاك دواته، ولم يكتب حرفا! فلم يفعل المقصود؛ إذ لا ريب أن المقصود من هذه الآلات هو الكتابة، كذلك حالُ من قبله، ومن عرف ما ذكرناه سابقا [يعني من اللغة والنحو ... ] لم يحتج إلى قراءة كتب التفسير على الشيوخ؛ لأنه قد حصل ما يفهم به الكتاب العزيز، وإذا أشكل عليه شيء من مفردات القرآن رجع إلى ما قدمنا من أنه يكفيه من علم اللغة، وإذا أشكل عليه إعراب فعنده من علم النحو ما يكفيه، وكذلك إذا كان الإشكال يرجع إلى علم الصرف، وإذا وجد اختلافا في تفاسير السلف التي يقف عليها مطالعة فالقرآن عربي، والمرجع لغة العرب فما كان أقرب إليها فهو أحق مما كان أبعد، وما كان من تفاسير الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فهو مع كونه شيئا يسيرا موجود في كتب السنة، ثم هذا المقدار الذي قدمنا يكفي في معرفة معاني متون الحديث، وأما ما يكفيه في معرفة كون الحديث صحيحا أو غير صحيح فقد قدمنا الإشارة إلى ذلك ونزيده إيضاحا فنقول: إذا قال إمام من أئمة الحديث المشهورين بالحفظ والعدالة، وحسن المعرفة أنه لم يذكر في كتابه إلا ما كان صحيحا، وكان ممن مارس هذا الشأن ممارسة كلية كصاحبي الصحيحين و بعدهما صحيح ابن حبان، وصحيح ابن خزيمة ونحوهما؛ فهذا القول مسوغ للعمل بما وجد في تلك الكتب، وموجب لتقديمه على التقليد، وليس هذا من التقليد لأنه عمل برواية الثقة، والتقليد عمل برأيه، وهذا الفرق أوضح من الشمس، وإن التبس على كثير من الناس، وأما ما يدندن حوله أرباب علم المعاني والبيان من اشتراط ذلك، وعدم الوقوف على حقيقة معاني الكتاب والسنة بدونه، فأقول: ليس الأمر كما قالوا؛ لأن ما تمس الحاجة إليه في معرفة الأحكام الشرعية قد أغنى عنه ما قدمنا ذكره من اللغة والنحو، والصرف، والأصول والزائد عليه، وإن كان من دقائق العربية، وأسرارها و مما له مزيد تأثير في معرفة بلاغة الكتاب العزيز، لكن ذلك أمر وراء ما نحن بصدده، وربما يقول قائل: بأن هذه المقالة مقالة من لم يعرف ذلك الفن حق معرفته. وليس الأمر كما يقول، فإني قد شغلت برهة من العمر في هذا الفن فمنه ما قعدت فيه بين أيدي الشيوخ كشرح التلخيص المختصر، وحواشيه، وشرحه المطول، وحواشيه، وشرحه الأطول، ومنه ما طالعته مطالعة متعقب، وهو ماعدا ما قدمته، وقد كنت أظن في مبادىء طلب هذا الفن ما يظنه هذا القائل، ثم قلتُ ما قلتُ عن خبرة وممارسة وتجريب و الزمخشري وأمثاله وإن رغبوا في هذا الفن فذلك من حيث كون له مدخلا في معرفة البلاغة كما قدمنا.

وهذا الجواب الذي ذكرته ههنا هو الجواب عن المعترض في سائر ما أهملته مما يظن أنه معتبر في الاجتهاد، ومع ذلك كله فلسنا إلا بصدد بيان القدر الذي يجب عنده العمل بالكتاب والسنة و إلا فنحن ممن يرغب الطلبة في الاستكثار من المعارف العلمية على اختلاف أنواعها، كما تقدمت الإشارة إلى ذلك، ومن رام الوقوف على ما يحتاج إليه طالب العلم من العلوم على التفصيل، والتحقيق فليرجع إلى الكتاب الذي جمعته في هذا وسميته "أدب الطلب ومنتهى الأرب" فهو كتاب لا يستغني عنه طالب الحق، على أني أقول بعد هذا: إن من كان عاطلا عن العلومِ الواجبُ عليه أن يسأل من يثق بدينه وعلمه، عن نصوص الكتاب والسنة في الأمور

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير