ونلاحظ من كلام أبي داود رحمه الله أنه لم يبين إلا القسم الثالث فقط وعلى هذا يكون ما سكت عنه أبو داود رحمه الله ليس الحسن فقط (كما قال ابن الصلاح رحمه الله) وإنما النوعين 1، 2 بأكملهما وهما يشملان (الصحيح والحسن والحديث الضعيف الذي ضعفه غير شديد)، وعلى هذا يمكننا مناقشة ابن الصلاح رحمه الله كالتالي:
o أن بعض ما جعلته حسنا بلا تفصيل قد يكون صحيحا.
o وأن بعض ما جعلته حسنا بلا تفصيل قد يكون ضعيفا ضعفا غير شديد.
وعلى هذا فإن قول الجمهور هو الصحيح في هذه المسألة (كما في حالة مستدرك الحاكم رحمه الله)، وهو أن الناقد المتمكن لابد له من النظر في الحديث والحكم عليه بما يستحقه. ومن الجدير بالذكر أن أبا داود رحمه الله، لا يسكت على الضعيف إلا إذا كان معمولا به، أي لا يكون ضعفه شديدا، كأن يتقوى بظاهر القرآن، وهذا يشبه، كما نبه إلى ذلك الشيخ طارق حفظه الله، صنيع أحمد رحمه الله، حيث كان يقوي الضعيف بفتاوى الصحابة رضي الله عنهم.
ما معنى (صالح) في قول أبي داود رحمه الله:
معناه أنه إما أن يكون صالحا للإحتجاج (وهو الصحيح والحسن)، وإما أن يكون صالحا للإعتبار (الضعيف الذي ينجبر). وقد نبه الشيخ طارق حفظه الله إلى أن الحجة درجات، وذلك كالتالي:
o الحجة العالية أو الكاملة: وهي الصحيح أو الحسن.
o الحجة الناقصة: وهي الضعيف المنجبر، وهذا ما يطلق عليه في كتب الأصول، جزء حجة، فالحديث الضعيف لا يحتج به ابتداءا وإنما يحتج به إذا جاء ما يقويه، فهو لا يقوم بنفسه، كالقياس تماما، فهو لا يقوم إلا بأصل يقاس عليه … الخ من شروط القياس، ولا يمكن أن يستقل بنفسه، وعلى هذا يحمل كلام بعض الأصوليين في كلامهم عن صحة الإحتجاج بقول الصحابي، فمن قال بأن قول الصحابي حجة، لم يرد بذلك الحجة الكاملة التي تستقل بنفسها، وإنما أراد الحجة الناقصة التي تصلح للإستشهاد فقط، ومن أبرز الأمثلة التي تفسر هذه المسألة:
· قول ابن حبان رحمه الله في الضعفاء: لا يعجبني الإحتجاج به إلا فيما وافق عليه الثقات، فلحجة قائمة بالثقات الذين وافقهم لا به، وعليه يكون المقصود من هذا الإحتجاج الإستشهاد أو الإستئناس فقط.
· ويظهر هذا أيضا من صنيع أحمد رحمه الله حيث كان يرد حديث عمرو بن شعيب رحمه الله إذا عارضه ما هو أقوى منه وقال لإبنه عبد الله رحمه الله: ربما قبلت حديث عمرو بن شعيب وربما وجدت في القلب منه وفي رواية: وربما رددته، فقبول أحمد رحمه الله لحديث عمرو بن شعيب رحمه الله، لا يعني احتجاجه به منفردا، وإنما يعني الإستشهاد والإستئناس به.
نقد نص أبي داود رحمه الله (وليس فيه عن رجل متروك الحديث شيء):
وهذا نص أبي داود رحمه الله ولكن الواقع يخالف هذا، فقد وجد في "سنن أبي داود" روايات عن مجاهيل وعن ضعفاء، بل روى أبوداود في "سننه" حديثًا من أحاديث جابر بن يزيد الجعفي في السهو في الصلاة من حديث المغيرة بن شعبة وقال عقبة ليس في كتابي عن جابر الجعفي غيره، فأبوداود إذا قال بهذا فهو لم يوف بشرطه، فقد قال أبوداود: وما سكتّ عنه فهو صالح، ووجدناه سكت عن أشياء، وجاء الحافظ المنذري وبيّن ضعفها، ثم جاء الحافظ ابن القيم وبيّن ما لم يبينه أبوداود ولا المنذري، ولا يزال المجال مفتوحًا للباحثين في "سنن أبي داود"، وكذلك رواية أبي داود مباشرة عن الشخص لا تكفي، فكم من محدث قيل عنه: إنه لا يروي إلا عن ثقة، ثم تجده قد روى عن ضعيف، وعن مجهول، كما في "الصارم المنكي في الرد على السبكي". وهذه إجابة الشيخ مقبل بن هادي رحمه الله خيرا على السؤال 80 في المقترح.
قول أبي داود رحمه الله: (الأحاديث التي وضعتها في كتاب السنن أكثرها مشاهير):
¥