فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي إيجَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ جَعَلَ الشَّارِعُ الْأَفْضَلَ يَقُومُ مَقَامَ الْمَنْذُورِ وَإِلْغَاءُ تَعْيِينِهِ هُوَ بِالنَّذْرِ.
فَكَيْفَ يُوجِبُ الشَّارِعُ شَيْئًا وَلَا يَجْعَلُ أَفْضَلَ مِنْهُ يَقُومُ مَقَامَهُ وَالشَّارِعُ حَكِيمٌ لَا يُعَيِّنُ شَيْئًا قَطُّ وَغَيْرُهُ أَوْلَى بِالْفِعْلِ مِنْهُ.
وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمُصَلِّيَ إذَا سَهَا بِسُجُودِ السَّهْوِ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ.
ثُمَّ الْمَأْمُومُ إذَا سَهَا يَتَحَمَّلُ إمَامُهُ عَنْهُ سَهْوَهُ ; لِأَجْلِ مُتَابَعَتِهِ لَهُ مَعَ إمْكَانِهِ أَنْ يَسْجُدَ بَعْدَ سَلَامِهِ.
وَإِنْصَاتُهُ لِقِرَاءَتِهِ أَدْخَلُ فِي الْمُتَابَعَةِ فَإِنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا يَجْهَرُ لِمَنْ يَسْتَمِعُ قِرَاءَتَهُ، فَإِذَا اشْتَغَلَ أَحَدٌ مِنْ الْمُصَلِّينَ بِالْقِرَاءَةِ لِنَفْسِهِ كَانَ كَالْمُخَاطِبِ لِمَنْ لَا يَسْتَمِعُ إلَيْهِ كَالْخَطِيبِ الَّذِي يَخْطُبُ النَّاسَ وَكُلُّهُمْ يَتَحَدَّثُونَ وَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَهُوَ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ {كَحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا}، فَإِنَّهُ لَمْ يَفْقَهْ مَعْنَى الْمُتَابَعَةِ، كَاَلَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ كَالْحِمَارِ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: {أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يُحَوَّلَ رَأْسُهُ رَأْسَ حِمَارٍ} فَإِنَّهُ مُتَّبِعٌ لِلْإِمَامِ فَكَيْفَ يُسَابِقُهُ وَلِهَذَا ضَرَبَ عُمَرُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَقَالَ: لَا وَحْدَك صَلَّيْت وَلَا بِإِمَامِك اقْتَدَيْت.
وَأُمِرَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ سَهْوًا أَنْ يَعُودَ فَيَتَخَلَّفَ بِقَدْرِ مَا سَبَقَ بِهِ الْإِمَامَ وَقَدْ نَصَّ أَحْمَد وَغَيْرُهُ عَلَى ذَلِكَ وَذَكَرَ هُوَ وَغَيْرُهُ الْآثَارَ فِي ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ.
الدليل الثالث
قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: {مَنْ صَلَّى صَلَاةً فَلَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ} وَفِي تَمَامِهِ فَقُلْت: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إنِّي أَكُونُ أَحْيَانًا وَرَاءَ الْإِمَامِ قَالَ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك يَا فَارِسِيُّ فَإِنِّي سَمِعْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: {قَالَ اللَّهُ: قَسَمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ} الْحَدِيثَ إلَى آخِرِهِ.
الرد عليه
1 - وَهَذاِ الحديث بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ {لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ} فَإِنَّ الْمُسْتَمِعَ الْمُنْصِتَ قَارِئٌ بَلْ أَفْضَلُ مِنْ الْقَارِئِ لِنَفْسِهِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ {لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَمَا زَادَ} وَقَوْلُهُ: {أُمِرْنَا أَنْ نَقْرَأَ بِهَا وَمَا تَيَسَّرَ} فَإِنَّ الْمُسْتَمِعَ الْمُنْصِتَ لَيْسَ مَأْمُورًا بِقِرَاءَةِ الزِّيَادَةِ.
2 - لَوْ كَانَتْ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَا تُغْنِي عَنْ الْمَأْمُومِ شَيْئًا بَلْ كُلٌّ يَقْرَأُ لِنَفْسِهِ: لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ عَجْزِهِ عَنْ الْقِرَاءَةِ وَعَجْزِهِ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ ; وَلِأَنَّ الْإِمَامَ مَأْمُورٌ بِاسْتِمَاعِ مَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ وَلَيْسَتْ قِرَاءَةً وَاجِبَةً. فَكَيْفَ لَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِمَاعِ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ الْفَاتِحَةَ وَهِيَ الْفَرْضُ وَكَيْفَ يُؤْمَرُ بِاسْتِمَاعِ التَّطَوُّعِ دُونَ اسْتِمَاعِ الْفَرْضِ.
3 - إِذَا كَانَ الِاسْتِمَاعُ لِلْقِرَاءَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى الْفَاتِحَةِ وَاجِبًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ فَالِاسْتِمَاعُ لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ أَوْجَبُ.
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك يَا فَارِسِيُّ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: {قَالَ اللَّهُ: قَسَمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ} إلَى آخِرِهِ.
¥