تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن الجدير بالذكر أن الإمام الترمذي حين يحكي عن بعض النقاد تصحيحه كان يقول: "قال فلان هذا حديث حسن صحيح " أو "هذا أحسن وأصح"، دون أن يلفظ ذلك الناقد بهذه الكلمة. ومن أهم الأمثلة على ذلك:

حكى الإمام الترمذي عن الإمامين: أحمد والبخاري تصحيحهما حديث المستحاضة الذي روته حمنة بنت جحش: بقوله: "حسن صحيح". دون أن يرد هذا اللفظ عنهما (سنن الترمذي، أبواب الطهارة، باب ما جاء في المستحاضة أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد 1/ 226). وأما لفظهما فكما ورد في علل الترمذي: " قال محمد (يعني البخاري): حديث حمنة بنت جحش في المستحاضة هو حديث حسن، إلا أن إبراهيم بن محمد بن طلحة هو قديم، لا أدري سمع منه عبد الله بن محمد بن عقيل أم لا، وكان أحمد بن حنبل يقول: "هو حديث صحيح". (العلل الكبير ص58، تحقيق السامرائي، ط1، 1409هـ، عالم الكتب، وسنن البيهقي 1/ 339). وفي أثناء المقارنة بين السياقين يبدو واضحاً أن ما تضمنه السياق الثاني هو لفظ البخاري وأحمد، بخلاف ما ورد في السياق الأول، فإنه ورد مختصراً، اختصره الترمذي بأسلوبه المعروف في التعبير في التصحيح.

ومثال آخر: يحكي فيه الترمذي عن البخاري تصحيح حديث "البحر هو الطهور ماؤه": بقوله: "حسن صحيح". (شرح العلل 1/ 342). وفي الوقت ذاته قال الترمذي: سألت محمداً عن حديث مالك عن صفوان بن سليم في حدث "البحر هو الطهور ماؤه" فقال: "هو حديث صحيح" (العلل الكبير للترمذي ص41، وكذا في التمهيد لابن عبد البر 16/ 218). وقال الحافظ ابن حجر في هذا الحديث: "صحح البخاري – فيما حكاه عنه الترمذي في العلل المفرد – حديثه، وكذا صححه ابن خزيمة وابن حبان وغير واحد" (التهذيب 4/ 42). وهذا كله يدل على توسعهم في إطلاق الألفاظ والمصطلحات، وأن الترمذي يقصد بقوله حسن صحيح ما يقصده غيره بقوله: صحيح" لا غير. والله أعلم.

بعض الفوائد الجانبية من هذا المجلس:

¨ إطلاق الترمذي رحمه الله لوصف: حسن صحيح، لم يكن مستنكرا عند المتقدمين، ولذلك استعمله من تلاه، كالدارقطني رحمه الله، وإنما حدث الإشكال عند المتأخرين، لما استقر الإصطلاح على تعريف الحسن والصحيح الإصطلاحيين.

¨ انتهى ابن رجب رحمه الله من شرح جامع الترمذي بأكمله، وكثيرا ما يشير ابن رجب رحمه الله لبعض اقواله فيه، بل إنه يشير أحيانا إلى أقوال له في كتب بعينها، ككتاب الصلاة أو … الخ، ولكن هذا الشرح مفقود منذ زمن حروب المسلمين مع التتار.

¨ ليس كل غريب ضعيفا، فقد يكون غريبا، وفي نفس الوقت صحيحا، كحديث: إنما الأعمال بالنيات، فالغرابة، حكاية تفرد، وليس حكما على الحديث، فإذا كان المتفرد ضعيفا، فالحديث ضعيف، لا للتفرد في حد ذاته، وإنما لأن هذا المتفرد ليس أهلا لهذا التفرد، وتفرده، مع ضعفه وعدم وجود المتابع له، يؤكد ضعف هذا الحديث، ولكن قد يرد على هذا القول، أن الترمذي رحمه الله، قد أطلق لفظ الغريب في جامعه، كحكم على الحديث بالضعف، وليس مجرد حكاية للتفرد، كما ذكر ذلك بعض أهل العلم، وقد عرف هذا بالإستقراء من جامع الترمذي رحمه الله، والله أعلم.

¨ يقول الحافظ رحمه الله في النزهة بأن الترمذي رحمه الله اعتنى بتعريف الحسن، لأن له اصطلاحا خاصا فيه، وقد سبق ذكره، ولم يتطرق إلى تعريف الصحيح أو الغريب، لأن مس سبقه من أهل العلم رحمهم الله، قد كفوه ذلك، ولكن يرد على ذلك أن الترمذي رحمه الله، قد تطرق إلى تعريف الغريب رغم تصدي من سبقوه لذلك، والله اعلم.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير