¨ ثم تطرق الشيخ طارق حفظه الله، إلى رأي الحافظ ابن رجب رحمه الله، الذي ذكره في شرح علل الترمذي، ووصفه الشيخ حفظه الله، بأنه من أفضل الآراء، لأن الحافظ ابن رجب رحمه الله، بنى جوابه على اصطلاح الترمذي رحمه الله في الحسن، وهو: (ألا يكون راويه متهما بالكذب وألا يكون شاذا وأن يرد من أكثر من وجه)، فالحسن عند الترمذي رحمه الله، هو مجموع روايات، كما سبق ذكر ذلك، وليس رواية بعينها، كما ذهب إلى ذلك من قال بأن معنى: حسن صحيح، أنه ورد بإسنادين أحدهما صحيح والآخر حسن، بل إن تعريف الحسن عند الترمذي رحمه الله، هو الذي اعتمده ابن الصلاح رحمه الله، في تعريف الحسن لغيره، الذي يشترط له أن يرد من أكثر من وجه.
وأجل الشيخ حفظه الله الكلام على رأي الحافظ ابن رجب رحمه الله، إلى المجلس القادم، إن شاء الله، لأنه يحتاج إلى نوع من التفصيل، ولكنه مهد له ببعض المقدمات، من أبرزها:
§ أن مقتضى كلام ابن رجب رحمه الله، أن هذا الوصف يعبر عن معنى يمكن أن يجتمع مع الحكم بالصحة أو الحسن الإصطلاحيان بلا إشكال.
§ أن الحسن ليس حكما عند الترمذي رحمه الله، بل هو وصف لمعنى معين في سند الحديث أو متنه، كما تقدم ذكر ذلك، وعلى هذا يصح أن يقال عن حديث ضعيف من الناحية الإصطلاحية، على سبيل المثال، بأنه حسن.
¨ وجدير بالذكر أن هناك من قال بأن الترمذي رحمه الله يقصد بهذا المصطلح الحكم على الحديث بالصحة وأن زيادة لفظ حسن من باب التأكيد على صحة هذا الحديث.
ولا بد من أمثلة تبين المراد:
المثال الأول:
يقول الإمام البخاري: ((وحديث أنس في هذا الباب ـ أي في حد السكران ـ حسن))، بينما قال فيه الإمام الترمذي: ((حديث أنس حسن صحيح)). وحديث أنس هذا متفق على صحته، فقد أخرجه البخاري ومسلم من طريق شعبة وهشام عن قتادة (وهما من أثبت الناس عن قتادة) عن أنس (وهما أثبت الناس في قتادة بالإضافة إلى سعيد بن أبي عروبة)، والرواة عن شعبة وهشام كلهم ثقات أجلاء، بل هو أصح حديث عند مسلم إذ صدر به موضوع الباب.
المثال الثاني:
ويقول الترمذي: سألت محمداً، فقلت: أي الروايات في صلاة الخوف أصح، فقال: كل الروايات عندي صحيح، وكل يستعمل، وحديث سهل بن أبي حثمة هو حديث حسن وحديث عبدالله بن شقيق عن أبي هريرة حسن وحديث عروة بن الزبير عن أبي هريرة حسن. فأطلق الإمام البخاري على الحديث الذي صح عنده صحيحاً كما أطلق عليه الحسن حين فصل تلك الروايات، ومنها ما رواه مسلم في صحيحه، وهو حديث سهل بن أبي حثمة، بل صححه الترمذي وقال: ((حسن صحيح)) وكذا عبدالله بن شقيق قال الترمذي فيه ((حسن صحيح غريب من عبدالله بن شقيق)) وعبدالله بن شقيق ثقة، وأما حديث عروة عن أبي هريرة رواه النسائي.
ويقول د/ حمزة المليباري حفظه الله:
فإذا ثبت أن الحسن عند المتقدمين عام وشامل بحيث يطلق على الحديث الصحيح، والحديث المقبول فإن إطلاقهم جمعاً بين لفظي الحسن والصحيح لم يكن إلا لإفادة التأكيد لمعنى القبول والاحتجاج، وليس فيه ما يثير الإشكالية لا لغوياً ولا فنياً، إلا على منهج المتأخرين الذي يقضي بانفصالهما كنوعين مستقلين لا يصح الجمع بينهما وهذا ما أيده د/ عادل عبد الغفور حفظه الله في تفسير مصطلح الترمذي رحمه الله "حسن صحيح". وهذا ما يؤكد ضرورة دراسة منهج المتقدمين دراسة دقيقة دون الاعتماد على اتحاد الألفاظ بين المتقدمين والمتأخرين ومن أهم الأمثلة على هذا الأمر ما ذكره د/ ماهر ياسين الفحل حفظه الله عن الدلالة المعنوية للفظ الصدوق عند المتقدمين والمتأخرين بقوله في بحثه فرائد الفوائد:
الدلالة المعنوية للصدق تختلف ما بين المتقدمين والمتأخرين، فعلى حين كان ذا دلالة راجعة إلى العدالة فقط في مفهوم المتقدمين، ولا تشمل الحفظ بحال من الأحوال؛ لذا كان أبو حاتم الرازي كثيراً ما يقول: ضعيف الحديث، أو: مضطرب الحديث ومحله عندي الصدق. فقد أصبح ذا دلالة تكاد تختص بالضبط عند المتأخرين، ولذا جعلوا لفظة صدوق من بين ألفاظ التعديل.
¥