تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبما أن الله سبحانه وتعالى قد هيأ للإنسان الأسباب والظروف لكي يتعلم القرآن، فقد دعاه مرات ومرات إلى أن يقرأ القرآن، وعلى سبيل المثال فقد دعاه إلى ذلك مرتين في سورة العلق، لكي يتمكن من الحصول على العلم الذي في هذا القرآن، قال تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) العلق (1، 2،3،4)

ونجد أن الله تعالى بين أمره الأول للإنسان أن يقرأ القرآن بكلمة " اقرأ " وأمره الثاني لهذا الإنسان أن يقرأ القرآن بكلمة " اقرأ " يأمر سبحانه وتعالى هذا الإنسان أن يذكر ربه بأسمائه التي لا يشاركه فيها غيره كاسمه الخالق مثلا، ويذكر نعم ربه سبحانه وتعالى عليه كنعمة خلقه مثلا وهي أنه سبحانه وتعالى هو وحده الذي خلق الإنسان، وأنه سبحانه وتعالى خلق هذا الإنسان من علق، فمن رحمته خلق الإنسان ومن رحمته كذلك أنه علمه القرآن، قال تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنسَانَ) الرحمن (1، 2،3).

ومن مقدمتي سورتي الرحمن والعلق ندرك أن على الإنسان وهو يستقبل أمر ربه سبحانه وتعالى بأن يقرأ القرآن أن يتذكر أن ربه سبحانه وتعالى الذي هيأ له الأسباب والظروف لينتقل من مرحلة العلق التي لا يعتبر فيها شيئا يذكر حتى يصير إنسانا عبر مراحل شيئا فشيئا، قد هيأ له إلى جانب ذلك الأسباب والظروف لكي يتعلم القرآن بداية من الحرف الواحد منه حتى يكتمل كله بجميع كلماته وآياته شيئا فشيئا عبر مراحل تماما مثلما انتقل من مرحلة العلق حتى صار إنسانا يرى تلك المراحل ويشاهدها.

ولكن ما موقف الإنسان من هذين الأمرين بكلمة " اقرأ " من ربه سبحانه وتعالى لكي يقرأ القرآن الجواب هو قوله سبحانه وتعالى: (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى) العلق (6، 7) أي كان في الأصل أن يستجيب الإنسان لأمر ربه سبحانه وتعالى بأن يقرأ القرآن، ولكن كلا إنه لم يستجب لأمر ربه، فلم يطع أمر ربه سبحانه وتعالى حيث أمره بكلمة (اقرأ) إذ لم يقرأ القرآن ولم يتعلم ما لم يعلم، بل طغى بسبب استغنائه عن هذا القرآن وقراءته، والمراد بالإنسان هنا أكثر الناس.

والمقصود من قراءة القرآن هي القراءة التي تكون وفق ما يريده الله سبحانه وتعالى، وقد بين سبحانه أنه أنزل الكتاب إلى رسولنا صلى الله عليه وسلم لنتدبر آياته، قال تعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) ص (29)، وخاطب سبحانه الذين لا يتدبرون آيات كنابه فقال: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (24) أي أن الله تعالى أمر الإنسان أن يقرأ القرآن قراءة مصحوبة بتدبر آياته وإلا فعلى قلبه قفل بحيث إذا بقي على حالته تلك فإنه لن يأتي الله بقلب سليم إذ أي قلب يكون عليه قفل ويكون سليما في آن واحد؟، قال تعالى: (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) الشعراء (88، 89).

فالذي استغنى المذكور في سورة عبس إنما استغنى عما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن، لكن علينا أن ندرك أن هذا الذي استغنى لم يستغن عن مجرد قراءة للقرآن ولو كانت هذه القراءة غير مصحوبة بتدبر آياته كما أنه لم يستغن عن مجرد سماع للقرآن ولو كان هذا السماع غير مصحوب بالإنصات له لأن هذا النوع من القراءة أو السماع لن ينزع القفل الموجود على قلبه، وبالتالي فإنه – أي هذا النوع - لن يغير في نهاية المطاف من حال قلبه شيئا، فالذي استغنى سواء كان المذكور في سورة عبس أو كان على شاكلته إنما استغنى عن قراءة القرآن قراءة مصحوبة بتدبر آياته.

وإلى اللقاء في الحلقة الثالثة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

للمراسلة والتواصل عبر الماسنجر وعبر البريد الإلكتروني:

[email protected]

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير