فالعلة ليس انقطاع الوحي و هذا ظاهر من ترك النبي صلى الله عليه و سلم لعبادات كثيرة مستحبة خشية أن تفرض و المراد من قوله صلى الله عليه و سلم ليس مجرد الفرض بل المراد أن المسلم يعتقد وجوبها ثم يتكلف ما لا يطيق و هذا الأصل مقرر في الشرع ثابت مطرد و هي ان المسلم لا يتكلف ما لا يطيق و أدلته اكثر من تحصر و من أدلته كما ذكرنا مثلا ترك النبي صلى الله عليه و سلم لصلاة القيام جماعة خشية أن تفرض عليهم.
و حديث عائشة رضي الله عنها عند البخاري و غيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة من جوف الليل، فصلى في المسجد، فصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا، فاجتمع أكثر منهم فصلوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة، عجز المسجد عن أهله، حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد، ثم قال: (أما بعد، فإنه لم يخف علي مكانكم، لكني خشيت أن تفرض عليكم، فتعجزوا عنها).
واضح العلة منصوصا عليه و هي اعتقاد وجوب صلاة القيام جماعة ثم بعد ذلك العجز عن أدائها و هذه العلة متى ما وجدت في عبادة مستحبة لم يواظب النبي صلى الله عليه و سلم و علم أن بالمواظبة عليها يترتب العجز عن ادائها و اعتقاد وجوبها حرم هنا المواظبة عليها و وجب ادائها كما أداها رسول الله صلى الله عليه و سلم.
و هذا قطعة من فتوى لشيخ الإسلام رحمه الله في مسألة قراءة بعض السور قد ثبت أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقرأ بها في فجر الجمعة و في صلاة الجمعة ..
(وإنما تنازع العلماء في استحباب ذلك وكراهيته. فعند مالك يكره أن يقرأ بالسجدة في الجهر. والصحيح: أنه لا يكره، كقول أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد؛ لأنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه سجد في العشاء بـ {إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ} [سورة الانشقاق]، وثبت عنه في الصحيحين: أنه كان يقرأ في الفجر يوم الجمعة [الحم. تنزيل] و [هل أتي] [سورة الإنسان]، وعند مالك: يكره أن يقصد سورة بعينها. وأما الشافعي وأحمد: فيستحبون ما جاءت به السنة، مثل الجمعة والمنافقين في الجمعة. والذاريات واقتربت في العيد، و [الحم. تنزيل} و [هل أتي] في فجر الجمعة.
لكن هنا مسألتان نافعتان:
إحداهما: أنه لا يستحب أن يقرأ بسورة فيها سجدة أخرى باتفاق الأئمة، فليس الاستحباب لأجل السجدة، بل للسورتين، والسجدة جاءت اتفاقًا. فإن هاتين السورتين فيهما ذكر ما يكون في يوم الجمعة من الخلق والبعث.
الثانية: أنه لا ينبغي المداومة عليها، بحيث يتوهم الجهال أنها واجبة، وأن تاركها مسيء، بل ينبغي تركها أحيانًا لعدم وجوبها. والله أعلم.).
فانظر تعليل الشيخ رحمه الله في ترك القراءة بهذه السور أحيانا حتى لا يظن العامة أنها واجبة فيلزم منه اعتقاد وجوب ما ليس بواجب شرعا مع التكلف باداء هذا الوجوب و تحميل النفس ما لا تطيقه أو ما لا يجب عليها و إن كانت تطيقه.
فعلة ترك النبي صلى الله عليه و سلم لترك قيام الليل جماعة في رمضان ليس فقظ خشية أن يفرض عليهم بل ما يلزم من هذا الفرض و هو العمل بهذا الفرض ثم تركه مع وجوبه فيقعون في ترك ما فرض عليهم و يحملون انفسهم ما لا طاقة لهم به.
ـ[أبو غازي]ــــــــ[05 - 06 - 04, 03:13 م]ـ
الأخ الكريم عبدالرحمن ...
هذه الأحاديث الواردة في صلاة الضحى جماعة:
في مسند الإمام أحمد: حدّثنا عبد الله حدَّثني أبي حدثنا عثمان بن عمر حدثنا يونس عن الزهري عن محمود بن الربيع عن عتبان بن مالك: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في بيته سبحة الضحى، فقاموا وراءه فصلوا بصلاته»
قال البخاري: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ وَكَانَ ضَخْمًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ الصَّلَاةَ مَعَكَ فَصَنَعَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا فَدَعَاهُ إِلَى بَيْتِهِ وَنَضَحَ لَهُ طَرَفَ حَصِيرٍ بِمَاءٍ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ فُلَانُ بْنُ فُلَانِ بْنِ جَارُودٍ لِأَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى فَقَالَ مَا رَأَيْتُهُ صلّى غير ذلكَ اليومِ.
فهذان حديثان يبينان أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الضحى جماعة.
وقد ذكرتَ أن العلة لترك النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الضحى هي اعتقاد وجوبها. هذا الذي فهمته منك.
ولكن حديث عائشة يخالف ما تذهب إليه.
قال الإمام مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى. قَال: قرأت على مالِك عنِ ابن شهاب عن عروَة عن عائشة، انَها قالت: ما رأيت رسولَ اللهِ يصلي سُبحَةَ الضحى قط. و إني لأسبحها. و إن كان رسول الله ليدع العمل، وهو يُحب أَن يعمل بِهِ، خَشية أَن يعمل به الناس، فيفرض عليهِم.
قال البيهقي: عندي أن المراد بقولها ” ما رأيته سبحها ” أي داوم عليها، وقولها ” وإني لأسبحها ” أي أداوم عليها، وكذا قولها ” وما أحدث الناس شيئا ” تعني المداومة عليها، قال: وفي بقية الحديث - أي الذي تقدم من رواية مالك - إشارة إلى ذلك حيث قالت ” وإن كان ليدع العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم ” انتهى
فقد عللت عائشة رضي الله عنه تركه للجماعة فيها خشية الافتراض.
وبالنسبة لاعتقاد الوجوب فهل تعني بأن كل ما واظب النبي صلى الله عليه وسلم يجعل الناس تعتقد بوجوبه؟
ألا يعلم الصحابة الكرام السنن من الواجبات؟
وماذا عن السنن الراتبة؟ لماذا لم يعتقدوا وجوبها؟ وغيرها من السنن المؤكدة؟
¥