تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و لم يكن سعد رضي الله عنه يشعر الإثم أو الذنب و ما يترتب عليه من عقاب الله تعالى لأن يعلم أنها سنة و أن الله تعالى لم يكلفهم ما لا يطيقون فكان يفعل ما يستطيعه.

فكان من الحزم عنده الوتر بواحدة بعد صلاة العشاء لأنه علم أنه إذا نام لم يصل و لا ركعة واحدة فهذا هو الحزم حقيقة فالتزام ركعة واحدة قبل النوم خير من ترك قيام الليل برمته بحجة اتباع سنة النبي صلى الله عليه و سلم فأي اتباع لمن أخر وتره ثم هو لم يقم فلا هو صلى وتره و لا هو أدرك الثلث الأخير من الليل.

السبب الثاني: و هو ما يلزمه اعتقاد الوجوب من تكلف الإلتزام بهذا العمل لوجوبه فكان بعض الصحابة رضي الله عنهم يلزم نفسه تدينا ما لم يلزمه الشارع كما في الحديث الذي أخرجه مسلم و أحمد و غيرهما من حديث عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن الحولاء بنت تويت بن حبيب بن أسد بن عبد العزى مرت بها وعندها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: هذه الحولاء بنت تويت، وزعموا أنها لا تنام الليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تنام الليل خذوا من العمل ما تطيقون، فوالله لا يسأم الله حتى تسأموا ".

و عند مسلم و أحمد من حديث أنس، أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، وقال بعضهم: أصوم فلا أفطر، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: " ما بال أقوام يقولون كذا وكذا، لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني ".

و عند مسلم من حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف على الباب يا رسول الله إني أصبح جنبا وأنا أريد الصيام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصبح جنبا وأنا أريد الصيام فأغتسل وأصوم فقال الرجل يا رسول الله إنك لست مثلنا قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتبع).

فحديث الحولاء بنت تويت فيه دلالة واضحة أنه لا يجوز للمسلم تكليف نفسه فوق طاقتها و إن كان يعتقد سنية ما يعمله فالحولاء كانت تعتقد سنيته قيام الليل و لا شك و إلا لبين لها النبي صلى الله عليه و سلم سنيته و لكن كانت تظن أن التشديد في عبادة الله تعالى أقرب إلى الله تعالى فبين النبي صلى الله عليه و سلم أنه الله تعالى لا يحب أن يكلف العبد نفسه فوق طاقتها.

و الحديث الثاني فيه دلالة أن على العبد أن يلتزم ما التزمه رسول الله صلى الله عليه و سلم فكل خروج عن سنته صلى الله عليه و سلم هو تكليف للنفس فوق طاقتها لذا قال النبي صلى الله عليه و سلم (لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني " فبين لهم أنه لا يكلف نفسه فوق طاقتها كما هم يكلفون أنفسهم و أن سنته التي جاء بها الإقتصاد في العبادة لا التشديد فيها.

و أما الحديث الثالث ففيه أن كل ما خرج عن سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم فهو خارج عن تقوى الله تعالى و خشيته و إن ظن بعضهم أن متقي بذلك لله تعالى فأخشى الناس لله تعالى و أتقاهم له نبينا صلى الله عليه و سلم فكل ما خرج عنه سنته فإنه خارج عن تقوى الله تعالى و خشيته و هو اعتقاد وجوب ما لم يوجبه النبي صلى الله عليه و سلم أو سنية ما لم يسنه النبي صلى الله عليه و سلم و كل هذا يلزم منه تكليف النفس ما لا طاقة لها به.

فالمتدبر لما ذكرنا من مجموع الأحاديث يجد أن العلة فيها إما خشية أعتقاد وجوب ما ليس بواجب أو تكليف الناس الناس ما لا طاقة له بها و أحدهما يلزم الآخر.

فاعتقاد وجوب ما ليس بواجب يلزم منه تكليف النفس و إلزامها بهذا العمل و ما يلزمه عند ترك هذا العمل من الخوف من الذنب و الإثم و تحميل النفس ما لا تتحمله ظاهرا و باطنا.

و تحميل النفس فوق طاقتها مع اعتقاد الإستحباب هو حقيقة خروج عن اعتقاد الإستحباب لأنه لو التزم بالمستحب التزام الواجب لما كان هناك فرق ظاهرا بين الواجب و المستحب لأن كلاهما يدل على الوجوب ظاهرا و هذا نوع من الوجوب لذا قعد بعض أهل و منهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الفعل متى ما دوام عليه النبي صلى الله عليه و سلم و لم يتركه أبدا دل على وجوبه.

و هذه القاعدة مطردة فعلا و تركا فلو ترك أحدهم الصلاة طول عمره و لم يركع لله ركعة واحدة دل هذا إما على امتناعه عن الإلتزام بالصلاة و إن كان يعلم وجوبها و هذا كفر بإجماع أهل السنة و الجماعة او على عدم اعتقاده للوجوب و هذا كفر بإجماع المسلمين.

ثم إن تعليل النبي صلى الله عليه و سلم للعلتين أي خشية أن يعتقد الناس وجوبها و الثانية هي تكليف النفس ما لا تطيق ليس من باب العلة المركبة التي لا تقبل حتى تكتمل أجزاءها المركبة منها بل هو من باب تعليل الحكم بعلتين متى ما وجدت علة واحدة منهما ثبت الحكم فمتى ما وجد خشية اعتقاد الوجوب ترك العمل لأن اعتقاد وجوب ما ليس بواجب نوع تشريع و هذا كفر مخرج من الملة و لكن لما وجد التأويل و التقليد لم يكفر معتقدها فوجب هنا ترك المداومة على العمل خشية أن يقع الناس بالكفر.

و العلة الثانية و هي تكليف النفس ما لا تطيق فمتى ما وجدت هذه العلة ترك العمل خشية أن يحمل الناس أنفسهم فوق طاقتها و إن كانوا يعتقدون استحباب ما يعملونه.

و الله أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير