تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولكن الأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ هم الذين قال العلماء: إنهم معصومون من الإصرار علي الذنوب، فأما الصديقون والشهداء والصالحون فليسوا بمعصومين، وهذا في الذنوب المحققة. وأما ما اجتهدوا فيه، فتارة يصيبون، وتارة يخطئون. فإذا اجتهدوا فأصابوا فلهم أجران، وإذا اجتهدوا وأخطؤوا فلهم أجر علي اجتهادهم، وخطؤهم مغفور لهم. وأهل الضلال يجعلون الخطأ والإثم متلازمين؛ فتارة يغلون فيهم، ويقولون: إنهم معصومون، وتارة يجفون عنهم، ويقولون: إنهم باغون بالخطأ وأهل العلم والإيمان لا يعصمون، ولا يؤثمون.

/ومن هذا الباب تولد كثير من فرق أهل البدع والضلال. فطائفة سبت السلف ولعنتهم، لاعتقادهم أنهم فعلوا ذنوبًا، وأن من فعلها يستحق اللعنة، بل قد يفسقونهم، أو يكفرونهم، كما فعلت الخوارج الذين كفروا علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، ومن تولاهما، ولعنوهم، وسبوهم، واستحلوا قتالهم. وهؤلاء هم الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية)، وقال صلى الله عليه وسلم: (تمرق مارقة علي فرقة من المسلمين، فتقاتلها أولي الطائفتين لأجل الحق)، وهؤلاء هم المارقة الذين مرقوا علي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وكفروا كل من تولاه. وكان المؤمنون قد افترقوا فرقتين: فرقة مع علي، وفرقة مع معاوية، فقاتل هؤلاء عليا وأصحابه، فوقع الأمر كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وكما ثبت عنه ـ أيضًا ـ في الصحيح أنه قال عن الحسن ابنه: (إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين)، فأصلح الله به شيعة علي وشيعة معاوية.

وأثني النبي صلى الله عليه وسلم علي الحسن بهذا الصلح الذي كان علي يديه وسماه سيدًا بذلك؛ لأجل أن ما فعله الحسن يحبه الله ورسوله، ويرضاه الله ورسوله. ولو كان الاقتتال الذي حصل بين المسلمين هو الذي أمر الله به بين ورسوله لم يكن الأمر كذلك، بل يكون الحسن قد ترك الواجب، أو الأحب إلي / الله. وهذا النص الصحيح الصريح يبين أن ما فعله الحسن محمود، مرضي لله ورسوله، وقد ثبت في الصحيح، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضعه علي فخذه، ويضع أسامة بن زيد، ويقول: (اللهم إني أحبهما، وأحب من يحبهما)، وهذا ـ أيضًا ـ مما ظهر فيه محبته ودعوته صلى الله عليه وسلم، فإنهما كانا أشد الناس رغبة في الأمر الذي مدح النبي صلى الله عليه وسلم به الحسن، وأشد الناس كراهة لما يخالفه.

وهذا مما يبين أن القتلي من أهل صفين لم يكونوا عند النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة الخوارج المارقين، الذين أمر بقتالهم، وهؤلاء مدح الصلح بينهم ولم يأمر بقتالهم؛ ولهذا كانت الصحابة والأئمة متفقين علي قتال الخوارج المارقين، وظهر من علي ـ رضي الله عنه ـ السرور بقتالهم، ومن روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بقتالهم: ما قد ظهر عنه، وأما قتال الصحابة فلم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه أثر، ولم يظهر فيه سرور، بل ظهر منه الكآبة، وتمني ألا يقع، وشكر بعض الصحابة، وبرأ الفريقين من الكفر والنفاق، وأجاز الترحم علي قتلي الطائفتين، وأمثال ذلك من الأمور التي يعرف بها اتفاق علي وغيره من الصحابة علي أن كل واحدة من الطائفتين مؤمنة.

وقد شهد القرآن بأن اقتتال المؤمنين لا يخرجهم عن الإيمان بقوله تعالي: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 9، 10]، فسماهم [مؤمنين] وجعلهم [إخوة] مع وجود الاقتتال والبغي.

والحديث المذكور: (إذا اقتتل خليفتان فأحدهما ملعون) كذب مفتري، لم يروه أحد من أهل العلم بالحديث، ولا هو في شيء من دواوين الإسلام المعتمدة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير