فهل من الذكر الجميل أن تقول عن الإمام: إن عنده عنصرية وعجيبة أيضا، ألم تعلم- أخي- أن العنصرية مذهب مرذول محتقر عند كافة البشر، إذ هو يقوم على تعصب المرء للجماعة أو الجنس، أو مذهب قائم على التفرقة بين البشر بحسب أصولهم وحسبهم، وقد تطور هذا المذهب الخبيث لدى أصحابه من النظرة الدونية للآخر القائمة على اختلاف لون البشرة إلى رفض الآخر على أساس ما يمثله من اختلافات ثقافية، ولغوية، ودينية، فهل الإمام عندك بهذه الصفة- لاسمح الله-؟. الجواب بدهي ومعروف، ولكنك تتكلم في القرن الواحد والعشرين وهذا معنى ما قلته عندهم بالضبط، فهلا تخاطبت بلغة أهل العلم واجتنبت هذه الألفاظ المحدثة- لغة- وفي هذا المقام-شرعا- فقد عهدنا القوم يقولون: أخطأ وأصاب، ولمن يستحق بعدل وعلم: مبتدع وضال.
فانظر –أخي- إلى اللسان إذا لم يلجم بلجام الشرع إلى أين يصل بصاحبه.!!!
ثم نعود إلى السبب الذي استحق به الإمام هذا الوصف، ذكر لنا الأستاذ- حفظه الله- رواية استخرجها من كتاب تذكرة الحفاظ، ومعلوم من طريقة أئمتنا في مصنفاتهم في التراجم أنهم يذكرون أغلب ما يقفون عليه من أخبار المترجمين، بما فيها من غث وسمين، فينبهون أحيانا على غثه، وأحيانا لا ينبهون، اتكالا منهم على فطنة الواقف على كتبهم.
فكان لزاما على الواقف على مثل هذه العبارة المنقولة آنفا أن يعمل عقله، ويقول: لماذا يصف الإمام مالك عطاء هذا الوصف، ولم يكن بينهم في ما علمنا ما يوجب ذلك، هذا بعد أن يكون قد رسخ في نفسه مقدار حب الأئمة بعضهم لبعض، واحترام بعضهم لبعض، فيذهب ليتحرى قبل أن يصدر الأحكام، بانيا لها على الخرافات الأوهام، وفي قصتنا هذه كان ذلك ميسورا على أخينا، ففي هامش الصفحة المذكورة، من الكتاب المذكور، كتب الشيخ الجليل عبد الرحمن المعلمي اليماني يقول: (هذه الحكاية منكرة، وإسماعيل بن داود حاكيها ليس بثقة). فإن وقف الشيخ محمد على غير هذا فليمدنا به.
ثم ماذا بعد ذلك السبب في إصدار الحكم على الإمام، نعم هناك سبب آخر، وهذه المرة فتوى للإمام، لا بل فتاوى كثيرة أفتى بها الإمام ب ... ، والشيخ لم يأتنا من هذا الكثير إلا بواحدة، ويكفي من القلادة ما أحاط بالجيد، وهي كما تقدم في النقل السابق، فلننظر إليها بعين أهل العلم.
أخي الفاضل- جنبك الله الشبهة، وحفظك من الحيرة، وجعل بينك وبين المعرفة نسبا، وحبب إليك التثبت، وزين في عينك الإنصاف، وعرفك ما في الباطل من الذلة، وما في الجهل من القلة-
المعروف من مذهب مالك في مسألة الكفاءة في النكاح؛ أنه يرى الكفاءة الدين لاغير، والمشهور الذي عليه الفتوى اليوم؛ أن الكفاءة الدين والحال، وفسر الحال بالسلامة من العيوب التي توجب للزوجة الخيار في الزوج، لا الحال بمعنى الحسب والنسب.
فإذا ما قصة هذه الفتوى عن الإمام ولما خالف أصله في هذا الباب، الجواب عند أهل العلم، وليكن معلوما ابتداء أن للإمام رأيين في هذه المسألة خاصة، الأول ما ذكره الشيخ في ما نقله عن ابن حزم- رحمه الله وغفر لنا وله- والثاني ذكره أئمة مذهبه وهو ماش على أصله في هذا الباب، فلا عتب ولا ملام.
قال الإمام ابن العربي- رحمه الله- في القبس2/ 688 - 689: (ولما كانت فائدة الولي في النكاح حفظ المرأة من الوقوع في غير الكفؤ فتلوت نفسها، وتلحق العار بحسبها، رأى مالك- رضي الله عنه- أن الدنيئة المقطوعة لا يرتبط أمرها بولي، في إحدى رواياته، لأن الذي يخاف منها، والمعنى الذي اعتبر الولي لأجله معدوم فيها، وتارة ألحق الدنيئة بالشريفة أخذا بعموم الحديث وهو الأسلم في النظر، والأسلم في الحسب، فإن تمييز الدنيئة من الشريفة يعسر في المراتب فسد الباب أولى). وبمثل هذا علل الفقيه ابن رشد الجد فتوى الإمام هذه، وأشار- رحمه الله- إلى مأخذ الإمام وهو مراعاة مصلحة الحطمة من الناس، ومراعاة الخلاف، والكتاب ليس بين يدي الآن فلينظر في البيان والتحصيل. وذكر قولي الإمام في هذه المسألة أيضا القاضي عبد الوهاب في عيون المجالس 3/ 1063، ولم يرجح أحد القولين.
هذا مذهب الإمام في هذا الباب مختصرا، وهذا رأيه في مسألتنا هذه معللا بما ذكر، وقد علمتم قبله حال الرواية عن الإمام في كلامه عن عطاء رحمه الله، فهل وجدتم- إخواني- بعد كل ذلك ما يقوله الأخ محمد الأمين حقا.
¥