ولم يسن النبي صلى الله عليه وسلم مسح المقام، ولا موضع قدمي إبراهيم، وإنما صلى عند المقام لما فرغ من الطواف أتى المقام ثم قرأ قوله تعالى: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [(125) سورة البقرة] فصلى ركعتي الطواف، وقرأ فيهما بعد الفاتحة بسورتي الإخلاص: قل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد. فتبين أنه لا يستحب مسح موضع قدمي إبراهيم من المقام، فلا أجر، ولا بركة في مسح ما لم يشرع الله مسحه؛ وإن كان مباركا.
فالكعبة كلها مباركة، ولا يشرع استلام شيء منها إلا الركنين اليمانيين كما تقدم فعليك أيها المسلم بتحري هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاقتداء به، وقد جعله الله لك إمام، وقدوة، فلا تتعدى سنته: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [(21) سورة الأحزاب]، والله أعلم.
20 - هل لما أطلب الشفاعة من الرسول صلى الله عليه وسلم الآن لا يكون شركا؟
أحال الشيخ السائل إلى جواب السؤال رقم (14).
21 - أهل السنة يبطلون المجاز في الصفات ثم يعملونها في مواضع مثل: "كنت سمعه الذي يسمع به" الحديثَ كيف الجمع، أو ما هي القاعدة في ذلك؟ و تقبلوا تحياتي محبكم.
الحمد لله، منهج أهل السنة والجماعة في أسماء الله، وصفاته، وفي نصوصهما هو المنهج القويم البريء من التناقض، ومن الغو، والتقصير، فهم يؤمنون بكل ما وصف الله به نفسه، ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم اثباتا ونفيا، فيثبتون ما أثبته لنفسه، وما أثبته له رسوله، وينزهونه عن جميع النقائص، والعيوب اثباتا بلا تشبيه، وتنزيها بلا تعطيل على حد قوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [(11) سورة الشورى]، ومن منهجهم إمرار النصوص على ظاهرها، وذلك بالإيمان بما دلت عليه من الصفات من غير تعرض لكيفياتها كما قال غير واحد من الأئمة: (أمروها كما جاءت بلا كيف)، وقال الإمام مالك، وغيره: (الاستواء معلوم، و الكيف مجهول والإيمان به واجب .. ).
وأما دعوى السائل أن أهل السنة ينكرون المجاز في نصوص الصفات، ويثبتونه في مواضع فدعوى باطلة، فإن أهل السنة منهم من ينفي المجاز في اللغة العربية مطلقا، وفي القرآن من باب أولى، وهؤلاء عندهم كل لفظ هو حقيقة في موضعه يدل على المعنى الذي يقتضيه السياق، والمقام.
ومَن يثبت منهم المجاز في اللغة، وفي والقرآن؛ لا يقول به إلا إذا قام الدليل المانع من إرادة المعنى الحقيقي، مثل الحديث الذي ورد في السؤال، وهو قوله سبحانه وتعالى ـ في الحديث القدسي ـ:" ولا يزال عبد ي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به .. " الحديث.
ومن المعلوم بالضرورة أن الله لا يصير عين العبد: سمعه، وبصره، ويده، ورجله، فإن حقيقة ذلك الحلول، أو الإتحاد.
فكل من يؤمن بالله، يؤمن بأنه بائن من خلقه، ومباين لهم لا يخطر بباله من هذا الحديث المعنى الباطل، بل يدرك أن المراد من الحديث أن من أحبه الله، وفقه في جميع تصرفاته، فلا يسمع، ولا يبصر، ولا يبطش، ولا يمشي إلا على وفق أمر الله، فجميع جوارحه منقادة لشرع الله فهو بالله، ولله.
وأما المخالفون لأهل السنة والجماعة من طوائف المتكلمين فهم المتناقضون، وأظهر تناقض في باب الصفات هو في مذهب الأشاعرة، فإنهم يفرقون بين الصفات، والنصوص؛ فيثبتون سبعا من الصفات، وينفون سائرها فيقولون في نصوص الصفات السبع إنها حقيقة، وأما نصوص الصفات التي ينفونها فإنها عندهم مجاز، وليس لهم في هذا التفريق حجة ناهضة، ولا قاعدة مضطردة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة التدمرية ـ بعدما بين تناقض المتكلمين من الأشاعرة، والمعتزلة، والجهمية ـ: فكل من نفى شيئا مما جاء به الرسول لا بد أن يثبت ما يلزمه فيه نظير ما فر منه. اهـ
فالتناقض لازم للمذاهب المخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة.
ومذهب أهل السنة بريء من التناقض، وكل المعاني الباطلة: من التحريف، والتعطيل، والتكييف، والتمثيل، والله الهادي إلى سواء السبيل، والله أعلم.
ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[17 - 09 - 04, 07:34 م]ـ
¥