فالصواب عندي أنه ليس صفة لله تعالى، بل هو ظل العرش كما جاء في رواية، أو أي ظل يقي الله به من شاء من حر الشمس في ذلك اليوم؛ كظل الصدقة كما في الحديث " المؤمن في ظل صدقته يوم القيامة ".
فعلى هذا تكون إضافة الظل إليه من إضافة المخلوق إلى خالقه، ولم أقف على كلام في هذا لأحد من أئمة السنة المقتدى بهم. والله أعلم.
ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[21 - 09 - 04, 07:50 م]ـ
السؤال: إن معتقد أهل السنة والجماعة في الأعمال أنها ركن من أركان الإيمان:
27 - فما هو الفرق بين معتقد أهل السنة والخوارج في باب الأعمال؟ فأرجو منكم توضيح ذلك، وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله، أهل السنة والجماعة يقولون: الإيمان قول وعمل، ويعنون بالقول اعتقاد القلب، وإقرار اللسان، وبالعمل عمل القلب، وعمل الجوارح، وهذا معنى قول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في العقيدة الواسطية: إن الإيمان قول وعمل: قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح.
والمعتزلة، والخوارج يوافقون على أن الإيمان قول، وعمل، ولكنه لا يزيد، ولا ينقص، فإذا ذهب بعضه ذهب كله، فلهذا قالت الخوارج بكفر مرتكب الكبيرة، وتخليده بالنار إذا مات، ولم يتب، وقالت المعتزلة بخروجه من الإيمان، وأنه يكون في منزلة بين المنزلتين، فليس بمؤمن، ولا كافر، وهو مخلد في النار إذا مات من غير توبة.
وأما أهل السنة فيقولون: الإيمان يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، ولا يكفرون بالذنوب؛ بل يقولون أخوة الإيمان باقية مع ارتكاب الذنب، وإن كان كبيرة؛ فالفاسق عندهم مؤمن ناقص الإيمان، وإن مات، ولم يتب فهو تحت مشيئة الله إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه بالنار ما شاء، ثم يخرجه منها بشفاعة الشافعين من الأنبياء، والصالحين، أو برحمته سبحانه وتعالى، وهو أرحم الراحمين، كما دل على ذلك قوله تعالى {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" يخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وفي قلبه مثقال ذرة من إيمان.
وأما إطلاق القول بأن العمل ركن أو شرط صحة، أو شرط كمال، فهي عبارات لبعض المتأخرين، وأما الأئمة فلم يطلقوا على العمل أنه ركن أو شرط، وإنما قالوا: إن العمل من الإيمان خلافا للمرجئة الذين أخرجوا الأعمال عن مسمى الإيمان، وقالوا: إن الإيمان هو تصديق القلب، وإقرار اللسان.
ومعلوم أن مباني الإسلام الخمسة هي أصول الإسلام، وهي من أصول الإيمان، وهي على مراتب من حيث الوجوب، وحكم الترك، فأعظمها الشهادتان، ثم الصلاة، ثم الزكاة. فكل ما ناقض الشهادتين فهو كفر كالشرك الأكبر، والتكذيب بمعلوم من دين الإسلام بالضرورة؛ كجحد وجوب الصلاة، وتحريم الزنا. وأما ترك شيء من أركان الإسلام الأربعة فقد قيل إنه كفر، وجمهور العلماء على أنه ليس بكفر، وأعظم ذلك ترك الصلاة، والقول بكفر تاركها قوي؛ لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله:" بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ". وقوله: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ". إلى غير ذلك من الأدلة، وأما ما سوى الأركان الأربعة من واجبات الدين فلم يقل أحد من أهل السنة بكفر من ترك شيئا منه.
وأما الإعراض عن الدين بالكلية علما، وعملا، فهذا لا يتصور فيمن معه أصل الإيمان في الباطن، ولهذا عد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ الإعراض ناقضا من نواقض الإسلام قال في الناقض العاشر: الإعراض عن دين الله تعالى لا يتعلمه، ولا يعمل به.اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في رده على المرجئة: والتحقيق أن إيمان القلب التام يستلزم العمل الظاهر بحسبه لا محالة، ويمتنع أن يقوم بالقلب إيمان تام بدون عمل ظاهر. اهـ. والله أعلم.
28 - كيف نوفق بين رواية (كلتا يديه يمين)، وبين (يطوي الأرضين بشماله) في صحيح مسلم؟
الحمد لله، قد دل القرآن، والسنة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأجمع أهل السنة أن لله تعالى يدين يفعل بهما ما شاء، كما خلق آدم بيديه، وكما يأخذ سبحانه السماوات والأرض يوم القيامة بيديه، وأن إحدى يديه يمين كما قال سبحانه تعالى {وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [(67) سورة الزمر]، وكما في الحديث الصحيح:" أن الله يطوي السماوات بيمينه، والأرضين بيده الأخرى "، وفي رواية عند مسلم "بشماله ".
وأما قوله صلى الله عليه وسلم:" وكلتا يديه يمين "، فليس معنى اليمين ما يقابل الشمال؛ بل معناه أن كلتا يديه ذات يمن، وخير، وبركة، وجيء بهذا بعد قوله " عن يمين الرحمن "؛ لدفع توهم النقص في اليد الأخرى.
وأول هذا الحديث "المقسطون يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن "، ولو لم يكن هناك فضل ليمين الرحمن على اليد الأخرى لما دل ذلك على خصوصية للمقسطين، فلفظ اليمين جاء في الحديث مرتين، وليس معناه في الموضعين واحدا كما تقدم، والله أعلم.
¥