ـ[أبو يحيى التركي]ــــــــ[27 - 11 - 04, 10:08 ص]ـ
بل الإجماع الذي نقله ابن المنذر رحمه الله صحيح لا شك فيه بحال من الأحوال.
لأن الماء المطلق هو الماء الباقي على خلقته أو إن شئت قلت العاري عن الإضافة اللازمة، وقولي اللازمة: احتراز من الإضافة غير اللازمة كقولي ماء البئر، فماء البئر ماء مطلق وإن أضيف لأن الإضافة ليست لازمة له في كل حال. فالماء المطلق هو المتفق عليه بين جميع الأئمة أنه طهور.
قال في بدائع الصنائع: والماء المطلق هو الذي تتسارع أفهام الناس إليه عند إطلاق اسم الماء كماء الأنهار، والعيون، والآبار، وماء السماء، وماء الغدران والحياض، والبحار فيجوز الوضوء بذلك كله سواء كان في معدنه أو في الأواني لأن نقله من مكان إلى مكان لا يسلب إطلاق اسم الماء عنه، وسواء كان عذباً أو ملحاً لأن الماء الملح يسمى ماء على الإطلاق. ثم قال: وأما المقيد: فهو ما لا تتسارع إليه الأفهام عند إطلاق اسم الماء وهو الماء الذي يستخرج من الأشياء بالعلاج كماء الأشجار، والثمار، وماء الورد ونحو ذلك، ولا يجوز التوضؤ بشيء من ذلك، وكذلك الماء المطلق إذا خالطه شيء من المائعات الطاهرة كاللبن والخل ونقيع الزبيب ونحو ذلك على وجه زال عنه اسم الماء بأن صار مغلوباً به فهو بمعنى الماء المقيد. وانظر ما بعده فإنه مفيد في الباب.
وتأمل قوله: لأن الماء المالح يسمى ماء على الإطلاق. فهو إذن داخل ضمن ما ذكره ابن عبد البر.
وقال في المهذب: يجوز رفع الحدث وإزالة النجس بالماء المطلق، وهو ما نزل من السماء أو نبع من الأرض؛ فما نزل من السماء ماء المطر، وذوب الثلج والبرد، والأَصل فيه قَوله عز وجل {ويُنزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به} وما نبع من الأرض ماء البحار، وماء الأنهار، وماء الآبار، والأصل فيه قَوله في البحر: «هو الطهور ماؤه، الحل ميتته»، وروي، أن النبي توضأَ من بئر بضاعة.
وقال في الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع:
أحدها: ماء (طاهر) في نفسه (مطهر) لغيره (غير مكروه) استعماله (وهو الماء المطلق). وهو ما يقع عليه اسم ماء بلا قيد بإضافة كماء وردَ أو بصفة كماء دافق، أو بلام عهد كقوله: «نَعمْ إذا رأت الماء» يعني المنيّ قال الولي العراقي: ولا يحتاج لتقييد القيد بكونه لازماً لأن القيد الذي ليس بلازم كماء البئر مثلاً ينطلق اسم الماء عليه بدونه، فلا حاجة للاحتراز عنه، وإنما يحتاج إلى القيد في جانب الإثبات كقولنا غير المطلق هو المقيد بقيد لازم.
ثم قال: (الماء المطلق يشمل المتغير بما لا يستغنى عنه حكماً أو اسماً)
تنبيه: تعريف المطلق بما ذكر هو ما جرى عليه في المنهاج. وأورد عليه المتغير كثيراً بما لا يؤثر فيه كطين وطحلب، وما في مقره وممرّه فإنه مطلق مع أنه لم يعر عما ذكر. وأجيب بمنع أنه مطلق وإنما أعطى حكمه في جواز التطهير به للضرورة فهو مستثنى من غير المطلق على أن الرافعي قال: أهل اللسان والعرف لا يمتنعون من إيقاع اسم الماء المطلق عليه وعليه لا إيراد، ولا يرد الماء القليل الذي وقعت فيه نجاسة ولم تغيره ولا الماء المستعمل لأنه غير مطلق.
وانظر كلام ابن قدامة في المغني في أول كتابه في أول باب ما تكون به الطهارة من الماء.
وقال في مواهب الجليل: وَاخْتَلَفَت عِبَارَاتُ الْأَصْحَابِ فِي تَعْرِيفٍه فَعَرَّفَهُ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّهُ الْبَاقِي عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ أَيْ لَمْ يُخَالِطْهُ شَيْءٌ وَجَعَلُوا مَا تَغَيَّرَ بِقَرَارِهِ أَوْ بِمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ أَوْ بِالْمُجَاوِرَةِ مُلْحَقًا بِالْمُطْلَقِ فِي كَوْنِهِ طَهُورًا فَالْمُطْلَقُ عِنْدَهُمْ أَخُصُّ مِنْ الطَّهُورِ وَجَعَلَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَابْنُ عَسْكَرٍ وَغَيْرُهُمَا الْمُطْلَقَ مُرَادِفًا لِلطَّهُورِ فَعَرَّفُوهُ بِأَنَّهُ الَّذِي لَمْ يَتَغَيَّرْ أَحَدُ أَوْصَافِهِ بِمَا يَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِبًا مِمَّا لَيْسَ بِقَرَارِهِ وَلَا مُتَوَلِّدٌ مِنْهُ فَجَعَلُوا مَا تَغَيَّرَ بِقَرَارِهِ أَوْ بِمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ أَوْ بِالْمُجَاوَرَةِ دَاخِلًا فِي حَدِّ الْمُطْلَقِ وَتَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذَلِكَ فَأَدْخَلَهَا كُلَّهَا فِي حَدِّ الْمُطْلَقِ.
ثم ذكر ما يدخل في حده إلى أن قال: وَمَا قُيِّدَ بِإِضَافَةٍ لِمَحِلِّهِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ صِدْقِ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ فِي الْعُرْفِ وَيَكْتَفِي بِالْإِخْبَارِ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ اسْمِ الْمَاءِ كَمَاءِ السَّمَاءِ وَكَذَا مَا قُيِّدَ بِإِضَافَةٍ لِمَحِلِّهِ كَمَاءِ الْبَحْرِ.
فقارن قولهم مع قول ابن المنذر بارك الله بك.