تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

سوء الخاتمة وختامُ العام

ـ[طارق بن سعود]ــــــــ[15 - 02 - 05, 03:57 م]ـ

سوء الخاتمة وختامُ العام

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فإن الأيام تُطوى، والأهلة تتوالى، والأكفان تنسج، والأعمال تدون، والموعد يقترب.

أجيال تفد إلى الدنيا كل يوم، وأجيال ترحل عنها. والغفلة تستحكم على كثير من القلوب؛ حتى غدا أكثر بني آدم يبنون دنياهم ويهدمون أخراهم.

ها هي جموع المسلمين لا تتمعر وجوههم إذا انتهكت محارمُ الله؛ لكنهم يغضبون إذا انتقص شيء من دنياهم، إلا من رحم الله وقليل ما هم.

فالتاجرُ منهم ينظر إلى الربح ولا ينظر إلى طريقة التحصيل أحرامٌ هي أم حلال!

والموظف يستيقظ فزعاً لعمل الدنيا لكنه ينام عن عمل الآخرة!

والمرأة تخلت عن كثير من حجابها، وارتكبت كثيراً مما يسخط ربها!

والأسرةُ المسلمة هَمُّها أن لا ينتقص شئ من وسائل عيشها الكريم، ولا أن تمسَّ رفاهيتها بسوء.

وأما همُّ الإسلام وهمُّ الآخرة فليس في الحسبان إلا عند قليل ممن لم تأخذهم دوامة المادية المعاصرة. وبعضٌ مما نرى من أعمال الخير ما كانت لأجل الله والدار الآخرة؛ وإنما هي لأجل الدنيا. ومن الشرك إراد الإنسان بعمله الدنيا.

وقليل ثم قليل أولئك المخلصون الصادقون.

من يعتبر؟!

ينقضي هذا العامُ وكأن أيامه لم تكن شيئاً مذكوراً.

اثنا عشر شهراً، بدأ هلالُ الواحدِ منها ضعيفاً ثم أخذ يكبر حتى صار بدراً، ثم أخذ في الضعف حتى تلاشى، ثم تبعته الشهور الأخرى حتى تم ميقاتها، وانقضى أجلها، وتمت السنة!!

الله أكبر، ما أسرع الأيام!

وما أكثر العصيان!

وما أقل الاعتبار!

والإنسان يمضي في هذه الدنيا كما مضت تلك الشهور.

لو سألت الشيخ الكبير عن شبابه وطفولته لحدثك عنها، وأخبرك أنها مرت سريعاً، وتجد أن أمله لا يزال طويلاً.

والشاب نسي طفولته وأمّل في مزيد من العيش، وإن طال به العمر ليبكين شبابه. وهكذا الدنيا .. ولكن أين العقلاء والمعتبرون؟!

هل يكفي طول العمر؟

إن العبرة ليست بطول العمر، وإنما هي بحسن العمل.

هل صحب الجاهُ أهلَ الجاه إلى قبورهم؟

وهل كان المال مع أهل المال في لحودهم؟!

با لفوز من صلح ظاهره وباطنه، فختم له بحسن عمله.

ويالخسارة من فسد باطنه فختم له بالسوء.

ذلك أن من مات على شيء بعث عليه كما روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يبعث كل عبدٍ على ما مات عليه) رواه مسلم 2878

وفي قصة الرجل الذي سقط عن راحلته في عرفة أخبر الرسول عليه الصلاة والسلام أنه يبعث يوم القيامة ملبياً، وأخبر أن الشهيد يبعث يوم القيامة وجرحه يدمى: اللون لون الدم، والريح ريح المسك.

وما كان موت الفجأة مذموماً إلا لأنه يفجأ صاحبه قبل التوبة من المعاصي.

خوف السلف من سوء الخاتمة:

لقد كان خوف السلف من سوء الخاتمة عظيماً.

بكى سفيان الثوريُ ليلة إلى الصباح، فقيل له: أبكاؤك هذا على الذنوب؟

فأخذ تبنة من الأرض وقال: الذنوب أهون من هذه؟ إنما أبكي خوف الخاتمة. [العاقبة في ذكر الموت والآخرة للأشبيلي 175]

وقال عطاء الخفاف: ما لقيت سفيانَ إلا باكياً فقلت: ما شأنك؟

وقال: أتخوف أن أكون في أم الكتاب شقياً [السير7/ 266]

وقال سهل التستري: خوف الصديقين من سوء الخاتمة عند كل خطرة وعند كل حركة وهم الذين وصفهم الله إذ قال (وقلوبهم وجلة).

أسباب سوء الخاتمة:

أعظم سبب لسوء الخاتمة فسادُ القلب بفساد الاعتقاد حتى ولو صَلَح الظاهر، وأقبح ذلك التلبسُ بالشرك أو شيء منه أو الاستمرار على البدعة.

والشركُ منع عمَّ النبي صلى الله عليه وسلم أبا طالب أن يشهد شهادة الحق حالَ احتضاره، وكم من مبتدع ختم له بالسوء.

ومقارفة الكبائر، والإصرارً على الذنوب مفسدٌ للقلب، مؤذنٌ بشؤم العاقبة، وسوء الخاتمة.

والمحتضر يردد حال احتضاره ما كان يكثر من قولٍ وعمل خيراً كان أم شراً.

وواقع المحتضرين يدل على ذلك؛ فأهل الصلاح يختم لهم في الغالب بصالح أعمالهم، وأهل الفساد يختم لهم بفسادهم.

وكم من عاص مات وهو يغني أو وهو يشرب الخمر أو انعقد لسانه عن شهادة الحق فلم يستطع نطقها عوذاً بالله من ذلك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير