فقوله في الحديث: " أتوجه إليك بنبيك " هو مثل قول عمر رضي الله عنه: نتوسل إليك بنبينا أي بدعائه، ويدل على هذا المعنى قوله في الحديث: " شفعه في" ومعناه اقبل شفاعته أي: دعاءه في، وأصرح من ذلك قوله: " وشفعني فيه " أي: اقبل دعائي في أن تكون دعوته لي مستجابة ولهذا صح أن يعبر عن ذلك بقوله: " شفعني في نفسي " وهذا كله صحيح في وجود الدعاء منه عليه الصلاة والسلام كما وعده بقوله في رواية: "وإن شئت دعوت الله لك" قال: بل ادعه فلا يصح حمل الحديث على التوسل بذاته ليصبح بعد وفاته
**********************************
ثانياً: التوسل غير المشروع
وله ثلاث مراتب:
الأولى: أن يدعو غير الله ويستغيث به أو يطلب منه المدد وهو ميت أو غائب سواء كان من الأنبياء أم الصالحين أم الملائكة أم الجن أم غيرهم، كأن يقول: يا سيدي فلان أغثني أو اقض حاجتي أو احمني أو اشف مريضي ونحو هذا فهذا شرك أكبر مخرج من الملة وإن سماه صاحبه توسلاً فهو توسل شركي من جنس توسل المشركين بعبادة غير الله قائلين: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}
الثانية: أن يقول للميت والغائب: ادع الله لي أو اسأل الله لي أو اشفع لي في كذا، فهذا لا خلاف بين السلف أنه غير جائز وأنه من البدع التي لم يقل به أحد من علماء الأمة وهو من ذرائع الشرك فهو من الشرك الأصغر والفرق بينه وبين الذي قبله واضح:
إذا الأول: دعاء غير الله، والثاني: مخاطبة الميت بما لا يرد في الكتاب والسنة ولكنه لم يدعُه ولم يسأله قضاء الحاجات وتفريج الكربات فلم يصرف له العبادة ولكنه ذريعة للغلو وبدعة ضلالة كما ذكرنا
الثالثة: أن يقول في دعائه لله عز وجل: "أسألك يا رب بفلان" يقصد بذاته أو بحقه أو بجاهه ونحو ذلك فالمنقول عن أبى حنيفة وأبى يوسف: النهى عنه، وليس هذا مشهوراً عن الصحابة رضي الله عنهم بل عدلوا عنه إلى التوسل بدعاء العباس رضي الله عنه وتركهم لهذا النوع والذي قبله مع وجود المقتضى له وانتفاء الموانع منه واستحضارهم له يدل على أنهم تركوه تعبداً لله ففعله بدعة ولا يصح عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم خلافه.
وهذا النوع الأخير فيه خلاف بين أهل العلم وقد نقل عن بعض المتقدمين فعله – كما في قصة العتبى المشهورة – وقد ذكر ابن قدامة في المغنى في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم نحو ذلك والرواية التي سبق توجهها عن أحمد ورجح الشوكانى مشروعيته وقصره العز بن عبد السلام على النبي صلى الله عليه وسلم.
ولكن الصحيح ما ذهب إليه أبو حنيفة وأبو يوسف ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم – رحمهم الله أجمعين – وذلك للدلالة التي ذكرنا من خلو السنة الصحيحة منه وترك كبار الصحابة رضي الله عنهم له والله تعالى أعلم.
والحمد لله رب العالمين
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[06 - 03 - 05, 11:58 م]ـ
بارك الله فيك يا اخي .. لكن كيف نبدع من جوز التوسل من النوع الأخير و فيه خلاف بين أهل العلم؟
ألا يكفي مثلاً أن نقول أنهم على قول مرجوح أو مخطئون في الاجتهاد و كفى؟
ـ[ناصر أحمد عبدالله]ــــــــ[09 - 03 - 05, 09:20 ص]ـ
حياك الله أخي الكريم هشام ..
لا نبدع من قال بجواز النوع الأخير لأنه من الخلاف السائغ .. ولا ننكر عليه ذلك ..
ولا يلزم من تبديع الفعل تبديع فاعله .. كغير هذه المسألة من مسائل الخلاف السائغ ..
بارك الله فيك ونفع بك ..