تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه". متفق عليه

ومعنى هذا الحديث: أن من أحيا هذه الليلة بسائر العبادات, مؤمناً بفضلها, مصدقاً بعظم منزلتها, مخلصاً لله في عبادته فيها, غير متضجر ولا متأفف منها, وغير طالب لمدح الناس ولا ثنائهم عليه, ولا مراءٍ لهم؛ نال الأجر الجزيل المذكور في الحديث وهو غفران ذنوبه السالفة. نسأل الله من فضله.

تحديد وقتها:

اختلفت أقوال أهل العلم في تحديدها, نظراً لاختلاف الأدلة من السنة الصحيحة في ذلك؛ فمن قائل إنها في ليلة إحدى وعشرين, ومن قائل إنها في ليلة ثلاث وعشرين, ومن قائل إنها في ليلة سبع وعشرين, بل منهم من قال إنها في ليلة أربع وعشرين وهذا القول الأخير غير معتبر لمخالفته للأدلة الصحيحة أنها في الوتر من الأواخر, وكذلك الحديث فيها لا يصح, ومن أهل العلم من قال: إنها تنتقل في الوتر ـ أي في الليالي الفردية ـ من العشر الأواخر, فتأتي في كل سنة في ليلة تختلف عن السنة الأخرى, ولعل هذا القول هو أقرب الأقوال إلى الحق وأصوبها, لعموم الأحاديث الآمرة بإحياء الوتر من العشر الأواخر جميعاً, وكذلك هو القول الذي يلتئم به شمل الأحاديث بمختلف دلالاتها, دون تقديم حديث منها على الآخر, أو إسقاطٍ لأيٍّ منها.

قال الترمذي ـ رحمه الله ـ: "وروي عن أبي قلابة أنه قال: ليلة القدر تنتقل في العشر الأواخر. حدثنا بذلك عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة بهذا". اهـ (الترمذي/792).

قال ابن كثير رحمه الله: " وهذا الذي حكاه ـ الترمذي ـ عن أبي قلابة نص عليه مالك والثوري وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور والمزني وأبو بكر بن خزيمة وغيرهم, وهو محكي عن الشافعي نقله القاضي عنه وهو الأشبه والله أعلم .... وقال: وقد حكي عن مالك رحمه الله أن في جميع ليالي العشر تطلب ليلة القدر على السواء لا يترجح منها ليلة على أخرى رأيته في شرح الرافعي رحمه الله". "تفسير ابن كثير" (4/ 534)

قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله: "وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن ليلة القدر في كل رمضان ليلة إحدى وعشرين, وذهب آخرون إلى أنها ليلة ثلاث وعشرين في كل رمضان, وذهب آخرون إلى أنها ليلة سبع وعشرين في كل رمضان, وذهب آخرون إلى أنها تنتقل في كل وتر من العشر الأواخر؛ وهذا عندنا هو الصحيح إن شاء الله ... وقال: وهي عندنا تنتقل وبهذا يصح استعمال الآثار المرفوعة وغيرها وبالله التوفيق".اهـ "التمهيد" (23/ 63)

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " ليلة القدر منحصرة في رمضان، ثم في العشر الأخير منه, ثم في أوتاره, لا في ليلة منه بعينها، وهذا هو الذي يدل عليه مجموع الأخبار الواردة فيها". اهـ "فتح الباري" (4/ 260)

قلت: وخاصة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد أمر بتحريها في الوتر من العشر الأواخر ولم يعين, وكذلك يكون هذا أدعى للمؤمن للاجتهاد في العبادة في ليالي الأواخر كلها, لا في ليلة بعينها, فيكون بذلك قد أصاب خيراً كثيراً, وفضلاً كبيراً.

الحكمة من إخفائها:

أخفى الله عز وجل عنا علم هذه الليلة ليكون ذلك أدعى للمؤمن لأن يزداد من الطاعة والعبادة, ولا يقتصر على قيام ليلة واحدة فقط, بل يجتهد في سائر ليالي العشر الأواخر.

عن عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ قال: خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليخبرنا بليلة القدر, فتلاحى رجلان من المسلمين, فقال: (خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت, وعسى أن يكون خيراً لكم؛ فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة). رواه البخاري. تلاحى: أي تخاصم وتجادل.

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: " قوله (فرفعت) أي رُفع علم تعيينها لكم, لا إنها رُفعت بالكلية من الوجود كما يقوله جهلة الشيعة, لأنه قد قال بعد هذا: (فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير