ـ[عيسى بنتفريت]ــــــــ[02 - 10 - 07, 12:06 م]ـ
كلمات لطاف في بعض أحكام الاعتكاف
إعداد: علي بن محمد أبو هنية
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
"فلما كان صلاحُ القلب واستقامتُه على طريق سيره إلى الله تعالى, متوقفاً على جمعيَّته على الله, ولمِّ شَعَثه بإقباله بالكلية على الله تعالى, فإن شَعَث القلب لا يلمُّه إلا الإقبالُ على الله تعالى, وكان فضول الطعام والشراب, وفضول مخالطة الأنام, وفضول الكلام, وفضول المنام, مما يزيده شعثاً, ويشتته في كل وادٍ, ويقطعه عن سيره إلى الله تعالى, أو يُضعفه, أو يُعوقه ويوقفه: اقتضت رحمة العزيز الرحيم بعباده أن شرع لهم ... الاعتكاف الذي مقصودُه وروحه عكوف القلب على الله تعالى, وجمعيته عليه, والخلوة به, والانقطاع عن الاشتغال بالخلق والانشغال به وحده سبحانه, بحيث يصير ذكره وحبه, والإقبال عليه في محل هموم القلب وخطراته, فيستولي عليه بدلها, ويصير الهمُّ كله به, والخطرات كلها بذكره, والتفكر في تحصيل مراضيه وما يقرب منه, فيصير أنسه بالله بدلا عن أنسه بالخلق, فيعده بذلك لأنسه به يوم الوحشة في القبور حين لا أنيس له, ولا ما يفرح به سواه".اهـ "زاد المعاد" (2/ 82)
وهذه نبذة مختصرة يسيرة من أحكام عبادة الاعتكاف, وضعتها للقارىء الكريم حتى يعبد ربه على بصيرة, أسأل الله أن ينفع بها كل من يقرؤها.
تعريفه:
الاعتكاف لغةً: افتعال من عكف على الشيء يعْكُف ويعْكِف عكفاً وعكوفاً بمعنى الحبس والمنع, ويأتي بمعنى ملازمة الشيء والإقبال عليه, كقوله تعالى: " ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ". أي: ملازمون.
واصطلاحاً: هو لزوم المسجد لعبادة الله تعالى من شخص مخصوص على صفة مخصوصة.
الحكمة منه:
تفريغ القلب من مشاغل الدنيا, والتفرغ لعبادة الله تعالى, بإقبال العبد عليه بكليته, ليكون بذلك صلاح القلب واستقامته على طريق سيره إلى ربه, وكذلك فيه طلب ليلة القدر لأنها تكون في العشر الأواخر, فيكون أبلغ في تحصيلها.
مشروعيته:
1ـ قال تعالى: " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ". [البقرة:187]
2ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ: "أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى، ثم اعتكف أزواجه من بعده". أخرجه "البخاري" (2026) و"مسلم" (1172) , وثبت مثل هذا الحديث عن ابن عمر أيضاً في الصحيحين.
3ـ الإجماع: قال ابن المنذر ـ رحمه الله ـ: "وأجمعوا على أن الاعتكاف جائز .. ".
حكمه:
الاعتكاف سنة مستحبة, في حق الرجال والنساء لا فرق, إلا إذا نذره العبد فحينئذٍ يصبح واجباً.
قال النووي ـ رحمه الله ـ: "الاعتكاف سنة بالإجماع, ولا يجب إلا بالنذر بالإجماع". "المجموع" (6/ 501)
وقال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ: "والاعتكاف ليس بواجب إجماعاً إلا على من نذره". "فتح الباري" (4/ 271)
وقته:
يجوز الاعتكاف في سائر أيام السنة لما ثبت عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه اعتكف في شوال. وهو في رمضان آكد وأفضل, وفي العشر الأواخر منه أفضل وأفضل, التزاماً بهدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ, وبغية تحصيل ليلة القدر.
شروطه:
جُمعت شروط الاعتكاف في الأثر الذي رواه أبو داود في سننه عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت: "السُّنة على المعتكف أن لا يعود مريضاً, ولا يشهد جنازةً, ولا يمس امرأةً, ولا يُباشرها, ولا يخرج لحاجة إلا لما لابد منه, ولا اعتكاف إلا بصوم, ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع". أخرجه "أبو داود" (2473) وصححه الألباني
ومن المعلوم أن قول الصحابي: من السنة كذا. له حكم المرفوع إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما هو مقرر عند علماء الحديث.
وهذه الشروط هي:
1ـ "لا يعود مريضاً": أي لا يزوره, ولكن له أن يسأل عنه.
2ـ "لا يمس امرأته ولا يباشرها": قال تعالى: "ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد". والمباشرة هي الوطء دون الفرج.
قال ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ: "أجمع العلماء أن المعتكف لا يباشر ولا يُقبِّل". "التمهيد" (8/ 331)
فإن قبَّل أو باشر المعتكف فهو آثم, ولا يبطل الاعتكاف إلا بالجماع,
¥