الآيات التي يستدل بها بعض أرباب الحساب الفلكي يتضح أنهم استدلوا بها في غير موضعها فلو رجعوا إلى قول أعلم الخلق بتفسير كتاب الله، لعلموا من سنته صلى الله عليه وسلم انه لم يعلق دخول الشهر ولا خروجه بعلم الحساب وإنما علق ذلك بالرؤية وإكمال العدة حال الغيم ولا احد من المسلمين ينكر أن الله خلق الشمس والقمر لحكم عظيمة ومنها معرفة السنين والحساب وأنهما يعملان بحسبان مع هذا كله أناط الشارع الحكيم دخول الشهر برؤية الهلال أو إكمال العدة فقط.
الوقفة الثانية والعشرون:
يقيس بعض الناس على أن الفقهاء يرجعون في كثير من شؤونهم لأهل الخبرة فيرجعون إلى الأطباء في فطر المريض في رمضان والى أهل اللغة في تفسير بعض النصوص إلى غير ذلك فليرجع الناس في معرفة بداية الشهور إلى علماء الفلك. فيقال هذا قياس مع الفارق لأنه إنما يرجع لأهل الاختصاص في المسائل التي لا نص فيها، أما إثبات الأهلة فقد وردت فيه النصوص صريحة، لا تقبل التأويل.
الوقفة الثالثة والعشرون:
يستشكل البعض فيقول إن تحديد بدء الشهر ونهايته لا يختلف عن توقيت الصلاة فكيف اخذ الناس بالتقويم في أوقات الصلوات وبداية الإمساك وبداية الفطر في اليوم والليلة ولم يأخذوا بالحساب الفلكي في دخول الشهر وخروجه.
فيقال إن الشرع الحنيف أناط الحكم في الأوقات بوجودها.
قال تعالى: (أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً) [الإسراء: 78] وقال تعالى:) وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ ([البقرة: 187]. وجاءت السنة وفصلت في بداية ونهاية وقت كل فريضة وأناطت وجوب صوم رمضان برؤية الهلال ولم تعلق الحكم في ذلك على الحساب.
الوقفة الرابعة والعشرون:
لو فرضنا أن المسلمين أخطأوا في إثبات الهلال دخولاً أو خروجاً وهم معتمدون في إثباته على ما صحت به السنة عن نبيهم صلى الله عليه وسلم لم يكن عليهم بأس في ذلك بل كانوا مأجورين مشكورين ولو تركوا ذلك لأجل قول الحاسب مع قيام البينة الشرعية برؤية الهلال دخولاً أو خروجاً لكانوا آثمين وعلى خطر عظيم. من عقوبة الله عز وجل، قاله الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله مجموع فتاوى الشيخ 15/ 133.
الوقفة الخامسة والعشرون:
ليعلم القائلون بالحسابات الفلكية في إثبات الشهر ومن ينادي بأن الرؤية تتوقف على تأييد الفلكيين بأن الله تعالى علم ما كان وما سيكون من تقدم علم الفلك وغيره من العلوم وهو القائل جل وعلا) فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (وبينه صلى الله عليه وسلم بقوله (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) الحديث.
الوقفة السادسة والعشرون:
القول بالحسابات الفلكية لم يؤثر عن صحابي واحد فكان بمثابة الإجماع وإنما حكي الخلاف عن ابن سريج وابن السبكي ومطرف بن عبد الله بن الشخير وابن قتيبة. فأما ابن سريج فإنه يحكي عن الشافعي وأنكر علماء الشافعية نسبة هذا القول إلى إمامهم الشافعي قال ابن عبد البر الذي عندنا في كتبه انه لا يصح اعتقاد رمضان إلا برؤية فاشية أو شهادة عادلة أو إكمال شعبان ثلاثين يوماً. قال الحافظ بن حجر بعد أن ذكر أن ابن سريج نقل هذا القول عن الشافعي " والمعروف عن الشافعي ما عليه الجمهور" يعلم من هذا القول أن ابن سريج رحمه الله قدوهم في نسبة هذا القول للشافعي أما ابن السبكي فهو تبع قول ابن سريج وقد اتضح غلط عبد البر صحة الأثر عنه فقال ليس بصحيح ولو صح عنه ما وجب أتباعه عليه لشذوذه فيه. أنظر لاستذكار لابن عبد البر (10/ 19) وفتح الباري لابن حجر (4/ 157) ومجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد الثالث لعام 1408هـ.
وقال شيخ الإسلام بن تيمية " إن هذا إن صح عنه فهو من زلات العلماء، مجموع الفتاوى (25/ 182).
وأما ابن قتيبة رحمه الله فقال ابن عبد البر متعقباً له " وأما ابن قتيبة فليس هو ممن يعرج عليه في مثل هذا" فتح الباري (4/ 157)
¥