فعهدي بالفلك قديم، وحتى الآن لم أجد في حسابابات القوم غير الاعتماد على القياس والتعديل. وأحسب أن هذا الأمر هو عين ما أشار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى انتقاده.
أما قولك رعاك الله:
(فهذا ينقضه ما قلت سابقا إن الله تعالى لم يجعل لمسير الأرض والقمر عادة مطردة بحيث لا يتخلف عنها ألبتة - فضلا أن تطرد سنين أو مئات سنين بلا خلف)
[ right] فقد كنتُ أعجب له ... وأستغرب صدوره منك حفظك الله ... وقد ألمح إليه غيرك من بعض إخواننا الأكارم ... وأنا لا أريد أن أرد عليه بطريقة علماء الفلك وأقوالهم ... بل بطريق شرعي ... فمعلوم أن حركة النيرين وعلاقتها بالأرض جعلها الله سببًا لمعرفة أوقات عبادات عظيمة في دين الإسلام ... وأهل العلم على أن السبب من شروطه أن يكون مطردًا معلومًا ... إذا لم يكن كذلك فلا يصلح أن يكون سببًا ... وبناءًا على هذا الاطراد حسُن جعل تقاويم ثابتة لمواقيت الصلاة على مدار عشرات السنين بدون مراجعتها أو تغييرها ... ولعلك إذا غادرت أرضك وفي يدك ساعة العصر أو الفجر ... ثم أردت معرفة وقت الصلاة حيث نزلت ... فلا تحتاج لسؤال أحد ... ما هي إلا بضعة أزرار تضغط عليها فيظهر لك وقت الصلاة المكتوبة حيثما كنت على وجه البسيطة ...
وفي غير ما آية من كلام الله العزيز تجد ردّ مثل هذا القول صريحًا فتدبر فيه تجد مصداق ما قال أهل الهئية وفقك الله.
أرى أن عجبك يا أخي ناشئ من أنك تفهم من كلامي غير ما أريد.
فأنا لا أناقش في أن طلوع الفجر أو غياب الشمس سبب أو شرط لدخول وقت الصلاة،
كما أنني لا أناقش أن اجتماع القمر والشمس والأرض في خط مستقيم يسبّب الكسوف أو الخسوف، ولا أناقش كذلك أن للقمر منازل وأطوار منظمة من الولادة والإهلال والتربيع والأحدب والإبدار لكل شهر من شهوره، ولا حتى أناقش في أن مدة دورانه الكامل حول الأرض لن يخرج مما بين 29 يوما إلى 30 يوما.
لكنني أتحدث عن مسير القمر بالذات من حيث سرعته واستطالته على وجه الدقة.
فإن الذي عرفناه من هذا الأمر - قديما وحديثا - أنه لا ينضبط بضوابط دقيقة متكررة مطردة.
فهو في دورانه - وإن كان له عادة غالبة - فقد يميل إلى الفوق أو التحت، وقد يسرع أو قد يبطيء في بعض الأحيان. وليس بوسع أحد أن يقطع بشيء من ذلك على وجه اليقين - إلا توقعا تقريبيا. وقد يؤثر فيه كذلك أمور جانبية من امتداد جرم الأرض وما يحدث في بطنها. والله أعلم.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: (وهؤلاء يحسبون مسيره فى ذلك الشهر ولياليه وليس لاحد منهم طريقة منضبطة اصلا بل اية طريقة سلكوها فان الخطأ واقع فيها). وقال: (فان الله سبحانه لم يجعل لمطلع الهلال حسابا مستقيما بل لا يمكن ان يكون الى رؤيته طريق مطرد الا الرؤية. وقد سلكوا طرقا كما سلك الاولون منهم من لم يضبطوا سيره الا بالتعديل الذى يتفق الحساب على انه غير مطرد وانما هو تقريب). وقال: (وسبب ذلك أنهم ضبطوا بالحساب ما لا يعلم بالحساب فأخطأوا طريق الصواب). وقال: (فاعلم ان المحققين من اهل الحساب كلهم متفقون على انه لا يمكن ضبط الرؤية بحساب بحيث يحكم بانه يرى لا محالة او لا يرى البتة على وجه مطرد وانما قد يتفق ذلك او لا في بعض الاوقات).
وهذا الأمر ينطبق أيضا على مسألة وقوت الصلاة - بل أشد. قال شيخ الإسلام رحمه الله: (كما تكلمت على حد اليوم أيضا وبينت انه لا ينضبط بالحساب لأن اليوم يظهر بسبب الأبخرة المتصاعدة، فمن أراد ان يأخذ حصة العشاء من حصة الفجر إنما يصح كلامه لو كان الموجب لظهور النور وخفائه مجرد محاذاة الأفق التى تعلم بالحساب. فأما إذا كان للأبخرة فى ذلك تأثير والبخار يكون فى الشتاء والارض الرطبة اكثر مما يكون فى الصيف والأرض اليابسة وكان ذلك لا ينضبط بالحساب فسدت طريقة القياس الحسابى).
فجداول أوقات الصلوات لا اعتماد عليه - لولا أن في المسأله شىء من السعة. فإن أحاديث وقوت الصلاة ليس فيها نهي عن الاعتماد على الحساب والقياس - بخلاف قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في أمر الهلال: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا ". ففي كتاب عمر رضي الله عنه إلى بعض عماله: (والعصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية قدر ما يسير الراكب فرسخين أو ثلاثة قبل غروب الشمس)، وفي كتابه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما خاضة: (والعشر والشمس بيضاء نقية قبل أن تدخلها صفرة). فالأمر فيه تقريب مما يدل على السعة لا التكلف ولا التشدق. وقد كان بعضهم صلوا المغرب مع الغيم مقدرين غروب الشمس، فإذا وجدوا أنها لم يغب بعد ولا يجب عليهم قضاءه. ومثله أمر الفجر، فإن الذي في القرأن: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر). فإن لم يتبين لهم ذلك فلا جناح عليهم في استمرار الأكل والشرب وإن وجدوا بعد ذلك أن الأمر خلاف ما زعموا. والله أعلم.
نحتاج - رضي الله عنك - أن نعرف وقت هذه الصورة ومكانها لو تكرمت ... فلم أهتد لهما لجلهي بلغة العجم عافاك الله من جهل الجاهلين.
ملحوظة: ربما حجب المشرف قريبا هذا المنتدى وما فيه جملة ... فما أراه إلا مؤقتًا بالعيد.
الصورتين من موقع (مشروع الإسلامي لرصد الأهلة / ICOP ) . فالصورة الأولى أخذه زاهد عرام أحد أعضاء للمشروع، وهي مأخوذة من إيران، وقد رأها 5 أشخاص بالمرقب في الساعة 17:02، وقد غربت الشمس في الساعة 16:55 مساءً. وأما الصورة الثانية فهي هلال آخر رمضان مرئي بالبصر المجرد مساء يوم الأربعاء 10 أكتوبر 2007 ميلادية.
وقد يقال إن الذي يراه الناس والتلسكوب ليلة الجمعة هو (هلال المشتري). قلنا: فليكن ذلك! وأين في النصوص إلغاء مثل هذا الخطأ؟
نأمل إثراء الموضوع بالمباحث العلمية والشرعية من كل من له إلمام بذاك. فلنتجنب هنا مراء وهراء، فإن الروح العلمية الصادقة عزيز هذه الأزمان.
والله الموفق للسداد. . . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
¥