فازداد عدد القصّاص ونقص عدد الواعظين
مما يذكّر بقول الله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} (الجن:6) على الرّأيين في مرجع الضّمير في قوله: {فَزَادُوهُمْ}، فالجناية على الدّعوة ...
والجاني: القاصّ والمعجبون به معاً ...
وقد بدأ الانحراف من الواعظ إلى القصص مبكراً،ولكن فقهاء الصحابة رضي الله عنهم ومن تبع منهاجهم وقفوا له بالجهاد وبيّنوا ضلاله ونهوا عنه؛ تجد ذلك مفصّلاً في:
1) (كتاب القصّاص والمذكرين)، لابن الجوزي (ت 597) رحمه الله.
2) عدد من مؤلفات ابن تيمية (ت 728) رحمه الله، تصدّى للقصّاص فيها.
3) (كتاب الباعث على الخلاص من حوادث القصّاص) للحافظ العراقي (ت806) رحمه الله
4) (كتاب تحذير الخواص من أكاذيب القصّاص) للسيوطي (ت 911) رحمه الله.
وإليك طرفاً مما تضمّنته هذه المؤلفات تعريفاً بالقُصّاص وتحذيراً منهم ورداً إلى الله: قال محقق (تحذير الخواص):القصص في الاستعمال من مخاطبة العامة بالاعتماد على القصّة .. وقد أشار ابن الجوزي إلى هذا فقال (فالقاص هو الذي يُتبع القصة الماضية بالحكاية عنها والشرح لها)، فقلت: وشرٍّ منها الحكايات الجديدة والإشاعات، وأخبار وسائل الإعلام، والشعر والتمثيل والفكاهة.
وروى ابن ماجة بسند حسن عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:
(لم يكن القصص في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا زمن أبي بكر ولا زمن عمر)،
ورواه أحمد والطبراني عن السائب بن يزيد بنحوه،
وفي رواية عن ابن عمر: (إنما كان القصص حيث كانت الفتنة) وروى الطبراني بسند جيد عن عمرو بن دينار
أن تميماً الدّاريّ استأذن عمر في القصص فأبى أن يأذن له (مرتين)،
وفي الثالثة قال له (إن شئت) وأشار أنه الذبح.
وروى الطبراني عن خباب بن الأرت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((إن بني إسرائيل لمّا هلكوا قصّوا)).
قال الألباني – رحمه الله -:
قال في " النهاية ": (لما هلكوا قصوا): أي: اتكلوا على القول وتركوا العمل، فكان ذلك سبب هلاكهم، أو بالعكس: لما هلكوا بترك العمل أخلدوا إلى القصص.
وقال الألباني – معقِّباً -:
ومن الممكن أن يقال:
إن سبب هلاكهم اهتمام وعاظهم بالقصص والحكايات دون الفقه والعلم النافع
الذي يعرف الناس بدينهم، فيحملهم ذلك على العمل الصالح؛ لما فعلوا ذلك هلكوا.
" السلسلة الصحيحة " (4/ 246).
وروى الطبراني عن عمر بن زرارة قال: وقف علىّ عبد الله بن مسعود وأنا أقص فقال:
(يا عمرو، لقد ابتدعت بدعة ضلالة، أو أنك أهدى من محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه)،
قال عمرو: فلقد رأيتهم تفرقوا عني حتى رأيت مكاني ما فيه أحد.
وأخرج عبد بن حميد في تفسيره عن قيس بن سعد قال:
جاء ابن عباس حتى قام على عبيد بن عمير وهو يقصّ، فقال له: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ} (مريم:41) {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ} (مريم:54) {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ} (مريم:56) ذكّر بأيام الله، واثن على من أثنى الله عليه).
وأخرج ابن أبي شيبة عن جرير بن حازم عن محمد بن سيرين قوله:
(القصص أمر محدث أحدثه هذا الخلق من الخوارج).
وأخرج أحمد في (الزهد) عن أبي المليح قال ذكر ميمون القُصّاص فقال:
(لا يخطئ القاصّ ثلاثاً: إما أن يسمن قوله بما يهزل دينه، وإما أن يُعجب بنفسه، وإما أن يأمر بما لا يفعل).
وقال ابن الحاج في (المدخل):
(مجلس العلم الذي يُذكر فيه الحلال والحرام واتّباع السلف رضي الله عنهم، لا مجالس القُصّاص فإن ذلك بدعة،
وقد سئل مالك رحمه الله تعالى عن الجلوس إلى القُصّاص،
فقال: (ما أرى ان يجلس إليهم وإن القَصص لبدعة).
وروى عن يحيى بن يحيى (عالم الأندلس في عصره):
سمعت مالكاً يكره القَصص فقيل له:
يا أبا عبد الله فإن تكره مثل هذا فعلام كان يجتمع من مضى؟
قال: (على الفقه).
وفي تاريخ ابن جرير في حوادث سنة 279: نودي في بغداد:
ألاّ يقعد على الطريق ولا في المسجد الجامع
ينهى الناس عن الاجتماع إلى قاص ويُمنع القصاص من القعود) اهـ.
وختم الحافظ العراقي كتابه: (الباعث على الخلاص من حوادث القصاص) بقوله:
¥