ـ[ابن وهب]ــــــــ[20 - 12 - 08, 02:52 م]ـ
وخلال السنوات الماضية، عرفت منظمة "نجْدة العبيد"، التي يقودها النشِط الحقوقي بوبكر ولد مسعود (من العبيد السابقين)، كإحدى أبرز المنظمات الناشطة في مجال محاربة العبودية في موريتانيا، وتمكّنت من الكشف عن عدد كبير من حالات الاسترقاق، دخلَت بسببها في صراعات ساخنة من السلطات السابقة.
آخر طلعات هذه المنظمة، كان تقريرا مفصّلا عن ظاهرة العبودية في موريتانيا، حاول تشخيص هذه الظاهرة عبر العودة إلى جذورها التاريخية وأسباب رسُوخِها في المجتمع، والخطوات التي قطعت في سبيل القضاء عليها.
وقالت المنظمة في تقريرها، إن الطابع الطبقي للمجتمع الموريتاني التقليدي، ساعد على وجود هذه الظاهرة، خصوصا وأنه كان توزيعا طبقيا وظيفيا، حيث أسندت لكل طبقة مهمّة تقوم بها، ويأتي العبيد في أدنى دراجات السلّم الاجتماعي لهذه الطبقات، سواء في ذلك الأغلبية العربية والأقلية الزنجية.
ويؤكّد التقرير أن دراسة قامت بها المنظمة (نجدة العبيد)، كشفت أن أصول هذه الظاهرة في موريتانيا تعود في أغلبها إلى الحروب، التي كانت تنشب بين القبائل خلال القرون الماضية، حيث كانت القبيلة المنتصِرة تبسِط سيطرتها على تلك المهزومة، والغارات المتبادلة بين القبائل تُسفر عن سبي أناس وانتزاعهم من ذويهم من أجل استرقاقهم، كما شكّلت التجارة عبر الصحراء مصدرا لهذه الظاهرة، إذ كانت تتم مقايضة العبيد بالملح والصمغ والقماش في بلاد السودان.
وتضيف نتائج الدراسة، التي قامت بها المنظمة في ثلاث ولايات موريتانية يقطنها العرب والزنوج، أن نسبة 73% من أفراد هذه الطبقة ولِدوا أرقّاء قبل أن يتحرّروا، وأن الرقّ يؤثِّر على النساء أكثر من الرجال، إذ تُعتبر المرأة المسترقة، قناة لإدامة الرِق، باعتبار أن أبناءها يولدون أرقّاء، حتى ولو كان أبوهم غير مُسترق، فضلا عن أن احتمال بقاء النساء في المناطق الريفية، التي تمثل المُستودع الأكبر للفقر وانتشار العبودية، يبقى أكثر من احتمال بقاء الرجال فيها، كما أن زواج النساء المسترقّات يخضع في الغالب إلى قرار أسيادهم.
وهنا، كشفت الدراسة أن نسبة 56% من النساء المسترقّات، يعود قرار تزويجهن إلى أسيادهن، وليس إلى أحد الأبوين أو أي من أفراد أسرة المرأة، بينما رفضت نسبة 31% الإجابة على هذا السؤال.
كما لاحظت الدراسة وجود قُيود بشِعة على مستوى النفاذ إلى التعليم الأهلي والمدرسي بنسبة تفوق 83%، وهو ما يفسِّر الارتفاع المُذهل للجهل في صفوف طبقة العبيد، وبالتالي، انخفاضَ منسوبِ الوعي في صفوفها، الأمر الذي أدّى إلى تدنّي مستويات حالات الهروب من الاستعباد، خصوصا في صفوف النساء، وهي نسبة لا تتجاوز 24%، حسب الآراء المعبّر عنها.
غير أن الدراسة كشفت أن العبيد، الذين تخلّصوا من الاسترقاق، ينجحون في الغالب، في تسيير حياتهم الخاصة وعدم العودة إلى أسيادهم، إذ لا تتجاوز نسبة من يخشَون احتمال أن يعودوا إلى أسيادهم نسبة 2%، وهو ما يعني أن الهروب يُعتبر طريقا صحيحا للتخلّص من العبودية بصورة نهائية.
وكشفت الدراسة أيضا، أن نسبة مَن نجحوا في النّفاذ إلى المدارس من هذه الطبقة، لا تتعدى 16%، فضلا عن أن الولايات الزراعية والرعَوية تشكِّل وسطا مُلائما لانتشار العبودية، خصوصا بين الأرقّاء المخصّصين للزراعة ورعي المواشي.
كما يواجه العبيد مشكِلة التملّك العقاري، حيث يُصرِّح ما مجموعه 91%، ممَّن شملهم الاستطلاع، بأنهم لا يستطيعون أن يكونوا ملاّكا للأراضي، فيما تبلغ نسبة المحاصيل الزراعية المخصّصة للأسياد من إنتاج الأراضي التي يزرعها الأرقاء، 76%. وفي مجال العمل الإداري، قالت الدراسة، إن نسبة 87% من عمال الإدارة، هم من خارج طبقة الأرقّاء.
سلوكيات تحقير وإهانة
وفيما يتعلّق بثقة عناصر هذه الطبقة، في الإجراءات والوعود التي تتّخذها الدولة رسميا للقضاء على الظاهرة، قالت الدراسة إن 70% منهم لا يعتقِدون أن السّلطات جادّة في محاربة هذه الظاهرة، فيما يرى أكثر من 58% أن القوانين الحالية غير كافية للقضاء على هذه الظاهرة في موريتانيا.
¥