تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولا يمكن لأحد أن يدعي أن ظاهر اللفظ أن السفينة تجري في عين الله عز وجل، لأن ذلك ممتنع غاية الامتناع في حق الله تعالى: ولا يمكن لمن عرف الله، وقدره حق قدره، وعلم أنه مستو على عرشه، بائن من خلقه، ليس حالًا في شيء من مخلوقاته، ولا شيء من مخلوقاته حالًا فيه أن يفهم من هذا اللفظ هذا المعنى الفاسد.

وعلى هذا فمعنى الآية الذي هو ظاهر اللفظ أن السفينة تجري والله تعالى: يكلؤها بعينه.

ومثال ثالث: في الأثر: (الحجر الأسود يمين الله في الأرض، فمن صافحه وقبله، فكأنما صافح الله وقبل يمينه).

قالوا: فظاهر الأثر أن الحجر نفسه يمين الله في الأرض، وهذا معنى فاسد فيكون غير مراد.

فنقول: أولًا: هذا الأثر روي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بإسناد لا يثبت والمشهور أنه عن ابن عباس. قلت: قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح وقال ابن العربي: حديث باطل فلا يلتفت إليه. اهـ.

ثانيًا: أنه على تقدير صحته صريح في أن الحجر الأسود ليس نفس يمين الله لأنه قال: (يمين الله في الأرض) فقيده في الأرض ولم يطلق وحكم اللفظ المقيد يخالف المطلق، ومعلوم أن الله تعالى: في السماء، ولأنه قال: (فمن صافحه وقبله فكأنما صافح الله وقَبّل يمينه) ومعلوم أن المشبه غير المشبه به، فالأثر ظاهر في أن مستلم الحجر ليس مصافحًا لله، وليس الحجر نفس يمين الله فكيف يجعل ظاهره كفرًا يحتاج إلى تأويل.

الوجه الثاني: أن يفسروا اللفظ بمعنى صحيح موافق لظاهره لكن يردونه لاعتقادهم أنه باطل وليس بباطل.

مثال ذلك قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} [] (1).

قالوا: فظاهر الآية أن الله علا على العرش، والعرش محدود فيلزم أن يكون الله سبحانه محدودًا، وهذا معنى فاسد فيكون غير مراد.

فنقول: إن علو الله تعالى: على عرشه- وإن كان العرش محدودًا - لا يستلزم معنى فاسدًا فإن الله تعالى: قد علا على عرشه علوًا يليق بجلاله وعظمته، ولا يماثل علو المخلوق على المخلوق، ولا يلزم منه أن يكون الله محدودًا، وهو علو يختص بالعرش، والعرش أعلى المخلوقات فيكون الله تعالى: عاليًا على كل شيء وهذا من كماله وكمال صفاته فكيف يكون معنى فاسدًا غير مراد؟!

مثال آخر: قوله تعالى: {بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء} [] (1). قالوا: فظاهر الآية أن لله تعالى: يدين حقيقيتين وهما جارحة، وهذا معنى فاسد فيكون غير مراد.

فنقول: إن ثبوت اليدين الحقيقيتين لله عز وجل لا يستلزم معنى فاسدًا، فإن لله تعالى: يدين حقيقيتين تليقان بجلاله وعظمته، بهما يأخذ ويقبض، ولا تماثلان أيدي المخلوقين، وهذا من كماله وكمال صفاته قال الله تعالى: {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه} [] (2). وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (ما تصدق أحد بصدقة من طيب - ولا يقبل الله إلا الطيب - إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل). فأي معنى فاسد يلزم من ظاهر النص حتى يقال: إنه غير مراد؟!

· · وقد يجتمع الخطأ من الوجهين في مثال واحد مثل قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء).

فقالوا على الوجه الأول: ظاهر الحديث أن قلوب بني آدم بين أصابع الرحمن فيلزم منه المباشرة والمماسة، وأن تكون أصابع الله سبحانه داخل أجوافنا، وهذا معنى فاسد فيكون غير مراد.

وقالوا على الوجه الثاني: ظاهر الحديث أن لله أصابع حقيقية والأصابع جوارح وهذا معنى فاسد فيكون غير مراد.

فنقول على الوجه الأول: إن كون قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن حقيقة لا يلزم منه المباشرة والمماسة، ولا أن تكون أصابع الله عز وجل داخل أجوافنا ألا ترى إلى قوله تعالى: {والسحاب المسخر بين السماء والأرض} [] (3). فإن السحاب لا يباشر السماء ولا الأرض ولا يماسهما.

ويقال: سترة المصلي بين يديه وليست مباشرة له ولا مماسة له.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير