تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالساعة أولى الخمسة لأنها متصلة بالآية التي قبلها في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً}.

وهذا اليوم الذي يجب أن تخشوه هو يوم الساعة؛ فكانت بعد الآية السابقة لتكون أول الآية اللاحقة في أفضلية الترتيب على الخمسة، وحيث هي أرفعها، فما وجدت الأربعة التالية إلا من أجل الساعة {وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ}، ولهذا أكد وحدها من دون الخمسة تعظيما لأمرها؛ {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} والأربعة التي بعدها ترتيب زمني وضروري أن تسبقها التي قبلها لتأتي التي بعدها؛ فلا بد من الماء أولا لتكون الحياة، فإذا ما أنتجت الأرحام أن يحيى نتاجها، حيث أعد لها الماء والغذاء {فَلْيَنْظُرِ الأِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً}، فالصبر أولا لتشق الأرض فيعد من الطعام لمن يأتي من الأرحام، ومن هنا كان ترتيب الأرحام بعد الماء، بعد ذلك يأتي الغد ليعرف به اليوم فجاء الغد في ترتيبه، فإذا لم يأت الغد لمجيء الموت توقفت اليوم وانتهت الحياة؛ فكان الموت في آخر الخمسة.

فلنبدأ بأولاها وهي الساعة، وما أظن إلا اعتراضا جال بصدر أحدكم خاصة إذا كان متتبعا لحديثي هذا فسيقول على الفور: كيف تدخل الآن الساعة ضمن المفاتيح التي قلت إنه يمكن أن يفتح علينا منها في الدنيا، والساعة من غيب الآخرة، وغيب الآخرة لا يعلم إلا بعد الموت كما ذكرت؟

فأقول: إنه الخطأ الشائع الذي أرجو أن أصححه الآن، فالساعة من الدنيا وليست من الآخرة، وسأثبت أنها كذلك.

فسبب الالتباس الذي شاع بين الناس هو أنهم خلطوا بين الساعة والقيامة، وجعلوها شيئا واحدا، ولكن الفرق بعيد فالساعة ستأتي بغتة حقا لكن لتنتهي بها الدنيا، أما القيامة فمن الآخرة؛ ولهذا جعل الله نفختين: الأولى للساعة والثانية القيامة، وبينهما فاصل ليس فيه خلاف، {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}، فالتراخي هنا بـ (ثم) قدر عند المفسرين بسنوات، بلغ عند بعضهم أربعين سنة، ومن هنا سميت الثانية قيامة، قيامة الموتى من قبورهم ينظرون ما يؤول إليه أمرهم، أما اقتران كلمة (تقوم بالساعة) في القرآن على نحو قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ} أي: يوم تقع ويتم أمرها يدرك المبطلون أنهم خسروا لما كذبوا بها، وليس معنى (تقوم) هنا من القيامة؛ لأن الساعة ليست كائنا مات ليقوم، وإنما القيامة بعث من الموت لكائن كان حيا فيه روح عادت إليه {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}، وكقوله سبحانه: {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ}. فالآية جعلت الساعة أولا للإفناء، والبعث من القبور ثانيا للإحياء؛ فلم يشملا في عمل واحد، وقوله: {اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة}، ولم يقل: يوم الساعة؛ لأن الساعة لإنهاء الدنيا والحكم لا يكون إلا بعد الإحياء والمثول، ولأن الساعة أيضا من المفاتيح الدنيوية، وليست هي القيامة الأخروية، فإنها لن تقع حتى تظهر في الدنيا كل أشراطها، الصغرى والكبرى منها على السواء، بل وظهر لنا منها الآن فعلا كثير من علاماتها الصغرى التي وردت في الأحاديث الصحيحة، مثل تبرج النساء عاريات كاسيات، وتطاول رعاء الشاء في البينان، وكثرة الزلازل، ورفع الأمانة، وظهور الفتن وغيرها، وأشراطها جزء منها؛ فالقاعدة أن ما يدل على الشيء داخل فيه، فإرهاصات الأنبياء جزء من نبوتهم، ورؤياهم المنامية نوع من الوحي، بل عند المباغتة بالساعة سيكون لها أمر دنيوي هائل يراه الناس، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا} وليس في الآخرة مرضعة ترضع ولا حامل تضع؛ إذا فلا يجوز الجمع بين الساعة والقيامة في معنى واحد، حيث لا يجتمعان معا في الدنيا ولا في الآخرة،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير