وعلى المسلم ألا يحرِّم على نفسه شيئًا أباحه الله له؛ من طعام أو شراب أو ملبس أو مال له حقٌّ شرعيٌّ فيه، ومَنْ حلف لا يفعل برًّا ولا تقوى ولا صلةً ولا إصلاحًا بين الناس، حرم عليه أن يعتل بالله، ووجب عليه أن يكفر ويبر؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ} [البقرة: 224]، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها؛ فليأتها وليكفِّر عن يمينه))؛ أخرجه مسلم.
وما جرى على اللسان من الأيمان والأقسام بلا قصد من الحالف ولا نيَّة؛ كقول الرجل: لا والله، وبلى والله؛ فهو لغوٌ لا كفَّارة فيه.
ومَنْ حلف على شيءٍ جازمًا بصَّحة ما قال، فظهر بخلاف ما حلف - فلا كفارة عليه، ومن حلف فقال عقب يمينه - إن شاء الله - فقد استثنى؛ فإن شاء فعل، وإن شاء تَرَكَ، ولا حنث عليه ولا كفَّارة؛ فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ حلف فاستثنى؛ فإن شاء رجع، وإن شاء ترك غير حنث))؛ أخرجه أبو داود. ويُشترَط أن يستثنيَ بلسانه، ولا ينفعه الاستثناء بالقلب في قول عامَّة أهل العلم.
ومَنْ عَقَدَ يمينًا على الكذب والخديعة والفجور، لإضاعة حقِّ امرئٍ مسلمٍ وأكل ماله بالباطل - فقد حلف الغموس المُرْدِيَة واليمين المُوبِقَة؛ فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((من حلف على يمين صبر، يقتطع بها مال امرئٍ مسلم، هو فيها فاجرٌ؛ لقي الله وهو عليه غضبان))؛ متفق عليه.
أيها المسلمون:
لا يقع في الكون شيءٌ لم يكن الله قدره وأراده، بيد أن الكثير من الناس يظنون أنهم يدركون بالنذر شيئًا لم يقدِّره الله لهم، أو يدفعون به شيئًا قد قدَّره الله عليهم؛ فيعلِّقون فعل الطاعة على تحصيل منفعة أو دفع مضرَّة؛ كقول الناذر: إن شفاني الله من علَّتي، أو شفى فلانًا، أو سلَّم مالي الغائب – لأصومن شهرًا، أو لأتصدقنَّ بكذا وكذا، وهو ما يسمَّى بـ (نذر المجازاة والمعاوضة)، أو بـ (نذر التبرُّر المعلَّق بشرط)، وهو من العادات المكروهة والأعمال المنهي عنها في الشريعة؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تنذروا؛ فإن النذر لا يغني من القَدَر شيئًا، وإنما يُستخرج به من البخيل))؛ أخرجه مسلم.
فالنذر لا يجرُّ للناذر في العاجل نفعًا، ولا يصرف عنه ضرًّا، ولا يغيِّر قضاء، ولا يردُّ قَدَرًا، لكن متى أدرك الناذر ما أمَّله لزمه الوفاء بما نذر.
ومَنْ ألزم نفسه قربةً على وجه التبرر، بلا شرط ولا صفة، مثل أن يقول: لله عليَّ أن أصوم شهر كذا - وَجَبَ عليه الوفاء بنذره؛ لقوله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29]، ولقوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان: 7]، ولحديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَنْ نَذَرَ أن يطيع الله فليُطِعْه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه))؛ أخرجه البخاري.
ومَنْ نذر نذرًا مطلقًا ولم يسمِّ شيئًا؛ لزمته كفارة يمين؛ لحديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كفَّارةُ النَّذْر كفَّارةُ اليمين))؛ أخرجه مسلم.
ومَنْ نذر عبادةً مكروهةً في الشرع؛ مثل: قيام الليل كله، وصيام الدهر كله، وصيام سنة متوالية - لم يَجِبْ عليه الوفاء بهذا النذر، وعليه كفَّارة يمين.
ومَنْ نذر فِعْل معصية؛ مثل أن يقول: والله لا أكلِّم والدي، والله لأشربنَّ الخمر، أو نحو ذلك من الأعمال الممنوعة - حرم عليه فعل المحلوف عليه؛ لأنه معصية، ولزمته كفَّارة يمين في أصحِّ قولي العلماء؛ لحديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا نذر في معصية، وكفَّارته كفَّارة يمين))؛ أخرجه أبو داود، وله شواهد.
ومَنْ نذر نذرًا علَّقه على شرط قصد به المنع أو الحض؛ نحو: إن لم أحضر مجلسكم فعليَّ كذا - خُيِّرَ بين فعل ما نذر وبين كفَّارة يمين، وكذا مَنْ نذر فِعْل مباح؛ خُيِّرَ بين فعل ما نذر وبين كفَّارة يمين.
¥