وكان بمنزلة من سلم العين إلى الغاصب فما تلف تحت يد المستولي كان عليه ضمانه كما لو سلم ماله بعقد فاسد يعتقد هو فساده وإن اعتقد صحة هذا العقد كان له تسليم العين والمطالبة بالأجرة المسماة ولم يكن له أن يقبل زيادة على المستأجر ولا يخرجه قبل انقضاء الأجرة من غير سبب شرعي يوجب الفسخ.
ومتى أصر الناظر على أن يجعله فاسدا بالنسبة إلى المستأجر صحيحا بالنسبة إليه غير لازم بالنسبة إلى المستأجر ; فإنه ظالم جائر وذلك قادح في ولايته وعدالته.
وعليه أن يؤجر ما يؤجره إجارة صحيحة وليس له باتفاق المسلمين أن يؤجر إجارة يعلم أنها غير صحيحة. والله أعلم. [ص: 179]
ـ[صالح العقل]ــــــــ[05 - 06 - 08, 11:52 م]ـ
قال ابن القيم في أَعْلام الموقعين:
ونحن نذكر عدة مسائل مما اختلف فيها السلف ومن بعدهم , وقد بينتها النصوص , ومسائل قد احتج فيها بالقياس وقد بينها النص وأغنى فيها عن القياس.
[المسألة المشتركة في الفرائض]
المسألة الأولى: المشتركة في الفرائض , وقد دل القرآن على اختصاص ولد الأم فيها بالثلث , بقوله - تعالى -: {وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث} وهؤلاء ولد الأم , فلو أدخلنا معهم ولد الأبوين لم يكونوا شركاء في الثلث بل يزاحمهم فيه غيرهم , فإن قيل: بل ولد الأبوين منهم , إلغاء لقرابة الأب , قيل: هذا وهم ; لأن الله - سبحانه - قال في أول الآية: {وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس} ثم قال: {فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث} فذكر حكم واحدهم وجماعتهم حكما يختص به الجماعة منهم كما [ص: 268] يختص به واحدهم , وقال في ولد الأبوين: {إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين} فذكر حكم ولد الأب والأبوين واحدهم وجماعتهم , وهو حكم يختص به جماعتهم كما يختص به واحدهم فلا يشاركهم فيه غيرهم , فكذا حكم ولد الأم , وهذا يدل على أن أحد الصنفين غير الآخر , فلا يشارك أحد الصنفين الآخر , وهذا الصنف الثاني هو ولد الأبوين أو الأب بالإجماع , والأول هو ولد الأم بالإجماع , كما فسرته قراءة بعض الصحابة " من أم " وهي تفسير وزيادة إيضاح , وإلا فذلك معلوم من السياق ولهذا ذكر - سبحانه - ولد الأم في آية الزوجين , وهم أصحاب فرض مقدر لا يخرجون عنه , ولا حظ لأحد منهم في التعصيب , ولم يذكر فيها أحدا من العصبة , بخلاف ما ذكر في آية العمودين الآية التي قبلها , فإن لجنسهم حظا في التعصيب , ولهذا قال في آية الإخوة من الأم والزوجين: {غير مضار} ولم يقل ذلك في آية العمودين , فإن الإنسان كثيرا ما يقصد ضرار الزوج وولد الأم ; لأنهم ليسوا من عصبته بخلاف أولاده وآبائه فإنه لا يضارهم في العادة , فإذا كان النص قد أعطى ولد الأم الثلث لم يجز تنقيصهم منه , وأما ولد الأبوين فهم جنس آخر وهم عصبته وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " ألحقوا الفرائض بأهلها , فما بقي فلأولى رجل ذكر " وفي هذه المسألة لم تبق الفرائض شيئا , فلا شيء للعصبة بالنص.
وأما قول القائس " هب أن أبانا كان حمارا " فقول باطل حسا وشرعا , فإن الأب لو كان حمارا لكانت الأم أتانا , وإذا قيل: يقدر وجوده كعدمه , قيل: هذا باطل , فإن الموجود لا يكون كالمعدوم , وأما بطلانه شرعا فإن الله - سبحانه - حكم في ولد الأبوين بخلاف حكمه في ولد الأم.
فإن قيل: الأب إن لم ينفعهم لم يضرهم.
قيل: بل قد يضرهم كما ينفعهم , فإن ولد الأم لو كان واحدا وولد الأبوين مائة وفضل نصف سدس انفرد ولد الأم بالسدس , واشترك ولد الأبوين في نصف السدس , فهلا قبلتم قولهم ههنا هب أن أبانا كان حمارا؟ وهلا قدرتم الأب معدوما فخرجتم عن القياس كما خرجتم عن النص؟ وإذا جاز أن ينقصهم الأب جاز أن يحرمهم , وأيضا فالقرابة المتصلة الملتئمة من الذكر والأنثى لا تفرق أحكامها , هذه قاعدة النسب في الفرائض وغيرها , فالأخ من الأبوين لا نجعله كأخ من أب وأخ من أم فنعطيه السدس فرضا بقرابة الأم والباقي تعصيبا بقرابة الأب [ص: 269]
فإن قيل: فقد فرقتم بين القرابتين , فقلتم في ابني عم أحدهما أخ لأم: يعطى الأخ للأم بقرابة الأم السدس ويقاسم ابن العم بقرابة العمومة.
قيل: نعم هذا قول الجمهور , وهو الصواب , وإن كان شريح ومن قال بقوله أعطى الجميع لابن العم الذي هو أخ لأم , كما لو كان ابن عم لأبوين , والفرق بينهما على قول الجمهور أن كليهما في بنوة العم سواء , وأما الأخوة للأم فمستقلة ليست مقترنة بأبوة حتى يجعل كابن العم للأبوين , فههنا قرابة الأم منفردة عن قرابة العمومة , بخلاف قرابة الأم في مسألتنا فإنها متحدة بقرابة الأب.
ومما يبين أن عدم التشريك هو الصحيح أنه لو كان فيها أخوات لأب لفرض لهن الثلثان وعالت الفريضة , فلو كان معهن أخوهن سقطن به , ويسمى الأخ المشئوم , فلما كن بوجوده يصرن عصبة صار تارة ينفعهن وتارة يضرهن , ولم يجعل وجوده كعدمه في حال الضرار , فكذلك قرابة الأب لما صار الإخوة بها عصبة صار ينفعهم تارة ويضرهم أخرى , وهذا شأن العصبة فإن العصبة تارة تحوز المال وتارة تحوز أكثره وتارة تحوز أقله وتارة تخيب , فمن أعطى العصبة مع استغراق الفروض المال خرج عن قياس الأصول وعن موجب النص.
فإن قيل: فهذا استحسان.
قيل: لكنه استحسان يخالف الكتاب والميزان , فإنه ظلم للإخوة من الأم حيث يؤخذ حقهم ويعطاه غيرهم , وإن كانوا يعقلون عن الميت وينفقون عليه لم يلزم من ذلك أن يشاركوا من لا يعقل ولا ينفق في ميراثه , فعاقلة المرأة - من أعمامها وبني عمها وإخوتها - يعقلون عنها , وميراثها لزوجها وولدها كما قضى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم , فلا يمتنع أن يعقل ولد الأبوين ويكون الميراث لولد الأم.
¥