[مختصر في فقه الاعتكاف - للشيخ ناصر بن سليمان العمر]
ـ[أبو زارع المدني]ــــــــ[20 - 09 - 08, 02:53 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , الرحمن الرحيم , مالك يوم الدين
اللهم صلّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
مختصر في فقه الاعتكاف
ناصر بن سليمان العمر
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد؛ فهذا مختصر في فقه الاعتكاف، ابتدأته بذكر مقدمة، وإيضاح؛ أما المقدمة فتعلمون أن العشر الأخير من رمضان هو أفضل وقت للاعتكاف لذلك أحببت تقديم هذا المختصر على عجالة من الأمر يشمل أبرز المسائل الفقهية المتعلقة بالاعتكاف، دون الخوض في الخلافات، وما أذكره بعضه من المسائل المجمع عليها، ومعظمه من المسائل المختلف فيها، فأذكر منه ما ترجح لدي بعد رجوعي لفتاوى العلماء من السابقين واللاحقين، وهو في النهاية اجتهاد مني حسب ما اطلعت عليه، وأسأل الله سبحانه وتعالى أجر الاجتهاد، وسأذكر بإذن الله ثمرات الاعتكاف، لماذا نعتكف؟ لأن الفقهاء اهتموا كثير وبدقة متناهية بالأسئلة عن حكم الاعتكاف، وعن بعض مسائل الاعتكاف: هل يجوز أن أخرج؟ أو لا يجوز أن أخرج؟ ومن أخرج بعض بدنه هل يبطل اعتكافه؟ أو لا يبطل اعتكافه؟ هذه أسئلة مهمة، لكن الثمرة لماذا نعتكف؟ هذا هو السؤال المهم الذي سيكون في آخر الرسالة، وهو الغاية من الاعتكاف، ومن خلال إطلاعي على كتب العلماء وجدت أفضل من جمع مسائل الاعتكاف وذكر أقوال العلماء والخلاف فيها والتزم بذكر الراجح هو الدكتور/ خالد بن علي المشيقح حفِظه الله، فقد ألَّف كتابًا اسمه "فقه الاعتكاف"، هذا الكتاب صاحبته منذ عدة سنوات وأعجبني بدقَّته وطريقة ترجيحه، وأحسن عندما سماه "فقه الاعتكاف"، فأنصح باقتناء هذا الكتاب، وأن يكون معك في أثناء اعتكافك؛ لأنه لابد أن يعرض لك مسألة من مسائل الاعتكاف فتجد أن الشيخ غالبًا أجاب عليها، وقد أفدت منه في هذه الرسالة فائدة كبرى.
ما هو الاعتكاف؟
الاعتكاف لغة: ملازمة الشيء والمواظبة والإقبال والمقام عليه خيرًا كان أو شرًّا، هذا من ناحية اللغة، والدليل قوله تعالى: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء: 52] مع أنها أصنام وسمى فعلهم عكوفًا، وأيضًا {وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا} [طه: 97] هذا كلام موسى - عليه السلام - للسامري، مع أنه في الشر وسمي اعتكافًا.
أما من الناحية الشرعية: فقد قال الفقهاء: هو لزوم مسجد لطاعة الله تعالى، لكن شيخ الإسلام قال: هو لزوم مسجدٍ لعبادة الله جل وعلا – لماذا ياشيخ الإسلام؟ – قال: إن الطاعة هي موافقة المأمور سواء كان واجبًا أو مستحبًّا أو مباحًا وتصير طاعةً بالنية، أمَّا إذا قلنا لعبادة الله فهو التذلل والخضوع وهو الذي يليقُ بالاعتكاف، قال تعالى: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} أي متذللون خاضعون وقوله: {الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا} [طه: 97] متذللاً عابدًا خاضعًا، والفرق بينهما يسير، والاعتكاف مشروع بالكتاب والسنة وآثار الصحابة والإجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ} [البقرة: 125] وأيضًا نجد {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] وغيرهما من الآيات.
أما السنة: فالسنة العملية والقولية أيضًا؛ فالنبي – صلى الله عليه وسلم – كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، وفي حديث أبي سعيد الخدري أنه كان يعتكف في العشر الأُوَل، ثم يتحرَّى ليلة القدر في الأوسط، ثم أخبر وأعلم أنها في ليالي العشر الأواخر، فكان يعتكف في العشر الأواخر وحث الصحابة على الاعتكاف في العشر الأواخر.
أما آثار الصحابة: فكثيرة والرجوع إلى الكتب يبين ذلك لمن أراد مزيد بيان ودليل.
أما الإجماع: فقد حكى الإجماع كثير من العلماء والفقهاء.
فائدة: هل ورد في الاعتكاف حديث يبين فضل الاعتكاف؟ كأن يقول: ((من اعتكف فله كذا))؟ الجواب: لا يوجد حسب ما أعلم بل حسب ما قال الإمام أحمد - رحمه الله - لا يوجد حديث صحيح فيه مقدار أجر المعتكف، يقول أبو داود - رحمه الله -: قلتُ لأحْمد تعرف في فضل الاعتكاف شيئًا قال: لا، إلا شيئًا ضعيفًا، ومن ذلك حديث أبي الدرداء مرفوعًا ((من اعتكف ليلة كان له أجر أو كأجرة عمرة، ومن اعتكف ليلتين كان له كأجر عمرتين))، أما دليل المشروعية فقد ورد في أحاديث كثيرة جدًّا، اعتكاف النبي – صلى الله عليه وسلم – كما روت عائشة وروى الصحابة وما ذكره أيضًا في حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - وغيرها من الأحاديث.
حكم الاعتكاف سنة للرجل والمرأة لأدلَّة مشروعيته، وحكي إجماعًا إلا ما ذكر عن مالك أنه كره الاعتكاف كما ذكر بعض المالكية، فحكم الاعتكاف أنه مسنون إلا ما أوجبه المرء على نفسه بالنذر، لما قال عمر - رضي الله عنه - للنبي – صلى الله عليه وسلم –: إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة وفي رواية يومًا في المسجد الحرام، قال له النبي – صلى الله عليه وسلم –: ((أوفِ بنذرك)).
أما ما لم يكن نذرًا فالصحيح عدم الوجوب فهو مسنون للرجل والمرأة على القول الصحيح، أمَّا الرواية عن الإمام مالك فقدِ اختلف أيضًا من نقل عنه، بعضهم قال: إن مالك لم يقُلْ بالكراهة وبعضهم كابن رشد قال: إنَّ الإمام مالكًا قال بالكراهة، ومع ذلك فقوله مرجوح إن صحت النسبة إليه، أما المرأة فجمهور العلماء على أن الاعتكاف مشروع لها، أي: مسنون إلا ما روي عن القاضي من الحنابلة أنه كره اعتكاف المرأة الشابة وهذا فيه نظر؛ لأنَّ أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – اعتكفن ومعلوم أنَّ عددًا منهن شابَّات كعائشة، وأم سلمة، وحفصة، كن شابَّات في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – ومع ذلك اعتكفن، فالقول بأن اعتكاف الشابة مكروه لا دليل عليه.
¥