تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الخلاف الفقهي حول وقت بدئ الصيام]

ـ[محمد الأمين]ــــــــ[16 - 09 - 08, 02:42 ص]ـ

وقت بدئ الصيام

اختلف العلماء في الوقت الذي يبدأ به الصيام (أي في الحَدِّ المُحَرِّم للأكل): هل هو وقت أذان الفجر، أم هو حتى يحصل اليقين بطلوع الفجر؟ مذهب الأئمة الأربعة وجمهور الفقهاء هو أن الدخولَ في الصوم بأذانِ الفجرِ وتحريم الطعام والشراب والجماع به. ومذهب الصحابة وكثير من التابعين هو أن الدخول في الصوم بتيقُّن طلوع الفجر. وسبب هذا الخلاف هو اختلاف تفسيرهم للتبيُّن في قول الله تعالى: { ... وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ ... } (187) سورة البقرة.

فقال قوم (وهم جمهور المتأخرين): هو طلوع الفجر نفسه. وقال قوم (وهم الصحابة وكثير من التابعين): هو تَبَيُّنَهُ عِندَ النَّاظِرِ إليه، ومن لم يَتبَيَّنه فالأكل مُباحٌ له حتى يتبيَّنه –وإن كان الفجر قد طلع في الواقع–. وفائدة الفرق: أنه إذا انكشف أن ما ظَنَّ من أنهُ لم يَطلع، كان قد طلع: فمن كان الحَدُّ عِنده هو الطّلوع نفسه (وهو رأي المتأخرين)، أوجَبَ عليه القضاء. ومن قال هو العِلمُ الحاصل به (وهو رأي الصحابة)، لم يوجب عليه القضاء.

وسبب الاختلاف في ذلك الاحتمال الذي في قوله تعالى {وكلوا واشربوا حتى يَتَبَيَّنَ لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} هل على الإمساك بالتَبَيُّن نفسه أو بالشيء المُتَبَيِّن؟ والله تعالى قد قال {يَتَبَيَّنَ لَكُمُ} فإضافة التبيُّن لنا، هي التي أوقعت الخلاف. لأنه قد يتبيَّن في نفسه ويتميَّز، ولا يتبين لنا.

وظاهر اللفظ يوجب تعلق الإمساك بالعلم، وهو قول الصحابة وعامة التابعين، وهم أعرف الناس بتفسير القرآن. قال الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره (12

40): «كلام الله لا يُوَجَّهُ إلا إلى الأغلب الأشهر من معانيه عند العرب، إلا أن تقوم حُجّةٌ على شيءٍ منه بخلاف ذلك، فيُسلّم لها. وذلك أنه -جلّ ثناؤه- إنما خاطبهم بما خاطبهم به لإفهامهم معنى ما خاطبهم به». أما الفقهاء من أتباع التابعين فمن بعدهم، فقد أوّلوا الآية بتكلّف، فجعلوا تعلقه بالطلوع نفسه، وقاسوا هذا على الغروب وغيره. وهو قياسٌ فاسدٌ لأنه بخلاف النص.

ـ[محمد الأمين]ــــــــ[16 - 09 - 08, 02:47 ص]ـ

قال ابن حزم في المحلّى (6

231 #756): «مسألة: ولا يلزم صوم في رمضان ولا في غيره إلا بتبيّن طلوع الفجر الثاني. وأما ما لم يتبين، فالأكل والشرب والجماع مباحٌ كل ذلك، كان على شك من طلوع الفجر أو على يقين من أنه لم يطلع. فمن رأى الفجر وهو يأكل، فليقذف ما في فمه من طعام أو شراب، وليصم، ولا قضاء عليه. ومن رأى الفجر وهو يجامع فليترك من وقته، وليصم، ولا قضاء عليه. وسواءٌ في كل ذلك كان طلوع الفجر بعد مدة طويلة أو قريبة. فلو توقف باهتاً، فلا شيء عليه، وصومه تام. ولو أقام عامداً، فعليه الكَفّارة. ومن أكل شاكّاً في غروب الشمس أو شرِب فهو عاصٍ له تعالى، مفسد لصومه، ولا يقدر على القضاء. فإن جامَعَ شاكّاً في غروب الشمس، فعليه الكفارة. بُرهان ذلك قول الله عز وجل: {فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل}. وهذا نَصُّ ما قُلنا، لأن الله تعالى أباح الوطء والأكل والشرب إلى أن يتبيّن لنا الفجر. ولم يقل تعالى: "حتى يطلع الفجر"، ولا قال: "حتى تشكوا في الفجر"، فلا يحِلُّ لأحدٍ أن يُقَوِّلَهُ، ولا أن يوجِبَ صَوماً بطلوعه ما لم يتبين للمرء».

وسرد أدلة أخرى وذكر الآثار عن الصحابة والتابعين ثم قال ابن حزم في آخر البحث: «فهؤلاء: أبو بكر، وعمر، وعلي، وابن عمر، وابن عباس، وأبو هريرة، وابن مسعود، وحذيفة، وعمه خبيب، وزيد بن ثابت، وسعد بن أبي وقاص، فهم أحد عشر من الصحابة، لا يعرف لهم مخالف من الصحابة رضي الله عنهم. –إلا رواية ضعيفة من طريق مكحول عن أبي سعيد الخدري ولم يدركه، ومن طريق يحيى الجزار عن ابن مسعود ولم يدركه–. ومن التابعين: محمد بن علي، وأبو مجلز، وإبراهيم، ومسلم، وأصحاب ابن مسعود، وعطاء، والحسن، والحكم بن عتيبة، ومجاهد، وعروة بن الزبير، وجابر بن زيد. ومن الفقهاء:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير