تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[للخيرات مواسم فاغتنموها]

ـ[محمد بن شاكر الشريف]ــــــــ[10 - 09 - 08, 01:00 م]ـ

[للخيرات مواسم فاغتنموها]

الحمد لله والصلاة والسلام على من أرسله ربه رحمة للعالمين وداعيا إلى الحق وإلى صراط مستقيم محمد صلى الله عليه وسلم

أما بعد

فإن الله تعالى خلق كل شيء فقدره تقديرا، واختص الله بحكمته الباهرة وعلمه الذي وسع كل شيء، أزمانا وأمكنة بمزيد من الفضل والشرف، وقد أخبرنا الله في كتابه وسنة رسوله بما فضل من الأزمان والأوقات لكي نبادر ونسارع إلى الخيرات فيها، والمحروم من يجعل جهده وسعيه في تلك الأزمان والأمكنة معادلا لجهده في غير ها من الأزمان والأمكنة، فلا يخصصها بمزيد من الاجتهاد في الخيرات التي هي ميدان التسابق والتي فيها الربح العظيم، والخاسر من يحصر جهده في تلك الأزمان والأمكنة في الحصول على زهرة الحياة الدنيا والتي لن يأتيه منها مما اجتهد وسعى إلا ما قدر الله له.

وقد يجتمع شرف الزمان والمكان وفضلهما بالنسبة لأقوام دون آخرين، فينبغي لهم الاجتهاد والسعي في الخيرات أكثر ممن انفرد بجهة واحدة من الشرف والفضل

وقد حضنا الله تبارك وتعالى على المنافسة في فعل الخير ومحاولة الوصول إلى أعلى المقامات فيها وألا يقبل الإنسان لنفسه بالدون منها، فقال الله تبارك وتعالى: "فاستبقوا الخيرات" والاستباق: المبادرة والمسارعة، والأمر بالاستباق يعني المنافسة في ذلك وألا يقنع المسلم بمجرد الفعل حتى يكون مسارعا فيه منافسا لغيره في الإتيان به حتى يكون في ذلك من السابقين، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها" وقد فسر أهل العلم الحسد في هذا الموضع بالمنافسة، قال ابن حجر: "وأما الحسد المذكور في الحديث فهو الغبطة، وأطلق الحسد عليها مجازا، وهي أن يتمنى أن يكون له مثل ما لغيره من غير أن يزول عنه، والحرص على هذا يسمى منافسة" والمسابقة مشعرة أنه لا يفوز فيها إلا الراكض دون الماشي كما قال عمير رضي الله تعالى عنه:

ركضا إلى الله بغير زاد* إلا التقى وعمل المعاد* والصبر في الله على الجهاد * وكل زاد عرضه النفاد* غير التقى والبر والرشاد

والخيرات: كل ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأفعال سواء كان مما أمر الله به ورسوله أو دعا إلى فعله ورغب فيه وحض عليه، وقد جاء الأمر بالاستباق في الخيرات في موضعين من كتاب الله تعالى، أولهما قوله تعالى: "ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير" وثانيهما قوله تعالى: " فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون" وقد ورد في القرآن في أكثر من موضع معنى الاستباق وإن لم يكن بلفظه فقال تعالى: "وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ" [آل عمران:133] وقال: "سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ" [الحديد:21]، وقال: "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون"

وهذا كله فيه تحريض على المبادرة والمسارعة إلى القيام بما يحبه الله ورسوله من الأقوال والأفعال التي أمرهم بها أو ندبهم لفعلها، والحرص على أن يكون الإنسان في ذلك سابقا لا مسبوقا

وقد مدح الله تعالى المسارعين بالخيرات وبين أن عاقبتهم الفلاح في الدنيا والنعيم الذي لا يزول في الآخرة، فقال تعالى في مدح أهل الكتاب الذين يتبعون آيات الله والمسارعين بالخيرات، "يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ" [آل عمران:114]

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير