تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

1ـ قوله ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له. رواه البخاري ومسلم والنسائي عن ابن عمر، فصح بهذا: أن الصيام والإفطار منوطان بالرؤية، فإن كانت صحوا ولم يُِر أوحال دون رؤيته سحاب: قدر له.

ومعنى اقدروا له: شامل لكل ما يحصل به معرفة مقدار الشهر من حساب أو عدد، ولكن الروايات الأخرى (التي فيها: ثلاثون يوما). حددت المعنى المطلوب، فاتضح:أن قوله اقدروا له: بمعنى أكملوا عدته ثلاثين يوما. . والروايات الآنفة الذكر (وإن اختلفت ألفاظها): لا تحيل المعنى، ولا يستبعد: أنه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ عبر بكل هذه الألفاظ، فكل ما ذكر له رمضان، أو كلما هل هلاله: ذكر أمته بهذا الحكم.

قال أبو عبد الرحمن: ولا يعجبنا ما ذهب إليه الإمام أبو جعفر الطحاوي في مشكل الآثار إذ يقول: إن أحسن ما قيل في قوله ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: " فاقدروا له ": أي اعرفو حسابه بمنازله، وإن هذا يخفى على أكثر الناس، فرد الأمر إلى ما يتساوون فيه، وهو إكمال العدة ثلاثين يوما فصار هذا ناسخا. قال أبو عبد الرحمن: كلا! فليس في الحديث ما يشعر بالنسخ ولم يعرف تاريخ الحديثين ليتميز المتقدم من المتأخر، فهي دعوى عارية من البرهان، وأرى أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم لم يقصدإلا إكمال العدة ثلاثين يوما، لأن كلمة اقدروا له: محتملة ـ كما قلنا ـ عدة معان، فجاء النص بإكمال ثلاثين يوما، فتحدد المعنى المطلوب ولسنا ـ أيضاً ـ نذهب إلى قول ابن سريج: اقدروا له خطاب للخاصة الذين يعرفون الحساب. . وأكملوا العدة خطاب للعامة. أهـ قال أبو عبد الرحمن: لأنها دعوى بلا برهان، وهي تقسم المسلمين: طائفة تصوم وطائفة تفطر، وهذا يخالف قوله صلى اللّه عليه وسلم: صومكم يوم تصومون، ويخالف مقصد الشريعة في الحظ على الجماعة.

2ـ روى البخاري في صحيحه عن ابن عمرـ رضي اللّه عنهما ـ عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أنه قال: إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا، يعني: مرة تسعة وعشرين، ومرة ثلاثين. وهذا الحديث يستدل به شيخ الإسلام ابن تيمية: على أن الحساب محرم منهي عنه.

(أ) لأنه أخبر أن الأمة التي اتبعته هي أمة الوسط، أمية لا تكتب ولا تحسب، فمن كتب أو حسب لم يكن من هذه الأمة في هذا الحكم، بل يكون قد اتبع غير سبيل المؤمنين.

(ب) وليس المعنى: أن من كان هذه الأمة فلا ينبغي له أن يكتب ولا يحسب، لأنه غير ظاهر اللفظ، فإن ظاهره خبر والصرف عن الظاهر إنما يكون لدليل يحوج إلى ذلك.

(جـ) ولا يقال: إن الحساب غير منهي عنه بنص هذا الحديث، بل يدل على أنه ليس بواجب، وإلا فهو جائز، لأن ألأمية صفة نقص: فصاحبها بأن يكون معذورأ أولى من أن يكون ممدوحا، وإنما لا يقال ذلك، لأن من الأمية ما هو محرم، ومنها ما هو مكروه، ومنها ما هو نقص، ومنها ما هو كمال والأمية هنا في الاستغناء بالرؤية عن الحساب صفة كمال ومدح من وجوه:

" من جهة الاستغناء عن الكتاب والحساب، بما هو أبين منه وأظهر، وهو الهلال. . ومن جهة أن الكتاب والحساب هنا يدخلهما غلط. . ومن جهة أن فيهما تعبا كثيرا بلا فائدة، فإن ذلك شغل عن المصالح، إذ هذا مقصود لغيره لا لنفسه".

قال أبو عبد الرحمن: ولا يحسبن متسرع: أننا نسوق هذا الكلام (عن شيخ الإسلام) مهاجمين علم الهيئة، ومقللين من ثمراته الطيبة التي ارتقت في هذا العصر، فلنا أن نستفيد من هذا العلم (إلا في مسألة الصيام وما في حكمها!) لأنها أمور شرعية تعبدية. . والذي تعبدنا بالصيام ـ جل شأنه ـ اختار لنا أسهل الأمور: " وهو: أن نصوم إذا رأينا الهلال، ونفطر إذا رأيناه، فإن لم نره فعلينا أن نصوم ثلاثين يوما ".

ولو أن علم الهيئة: يرشدنا إلى أن الشهر يهل هذه الليلة ـ أخذا باليد! ـ: لم يكن من الجائز أن نعتبر (إلا الرؤية أو أكمال العدة) وإلا كنا معتسفين طريقا لم ‘يرد منا سلوكه، واللّه لا يعبد إلا بما شرع، والرسول صلى اللّه عليه وسلم يقول: " كل عمل ليس عليه أمرنا فهورد! " وباللّه نتأيد.

قال أبو عبد الرحمن: سبق قول ابن سريج: أن من عرف الشهر بالحساب يلزمه الصيام لأنه عرفه بدليل. أهـ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير