هنا خرج عن المضاهاة في الدين، وبذلك خرج من باب العبادات ليلج إلى العادات، فهل يلحقه حكم بالمنع .. هل ثمة ما يمنع من عيد يحدثه الناس، ليس فيه إلا اللهو واللعب والاجتماع؟.
في العلل الآنفة الذكر، نجد أن مما هو علة للمنع: المضاهاة، والتشبه. وهاتان علتان تتعلقان بالأمور الدينية، كما تتعلق بالدنيوية. وثمة علة ثالثة للمنع: الفساد المصاحب لهذه الأعياد، إن وجد.
توفر هذه العلل، أو بعضها، في أي عيد يكفي في الحظر. فإذا العيد المحدث احتوى على: اللعب واللهو، والاجتماع. فتخصيصه بهذه الأعمال من التعظيم لذلك اليوم، فيدخل بهذه الأمور الدنيوية تحت علة المضاهاة لأعياد الإسلام؛ لأن فيها كل ذلك. وإنشاء عيد ثالث أو رابع .. إلخ فيها هذه المظاهر، هي مزاحمة لأعياد الإسلام، وهذا مضاد لمقصد الشارع، حيث أراد ألا يكون ثمة عيد يزاحم أعياد الإسلام، كما روى أبو داود في سننه، في الصلاة، باب صلاة العيدين، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
(قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما. فقال: ما هذان اليومان؟. قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر).
فقد كانوا فيهما يلعبون؛ أي إن فعلهم يقع في قسم المباحات، ولم يكونوا فيهما يتعبدون، ثم إنه نهاهم عنهما، يدل عليه تركهم لهما بالكلية، فلم يؤثر إعادتهم الاحتفاء بهما، فقد فهموا المنع، ولولا ذلك لبقي عليهما بعضهم؛ أولئك الذين يحبون اللهو واللعب؛ إذ العادات لا تتغير إلا بأمر حاسم.
ثم إن هذا معنى البدل؛ فهو يقتضي ترك المبدل منه؛ إذ لا يُجمع بين البدل والمبدل منه، كما في قوله تعالى: {أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدوا بئس للظالمين بدلا}، {ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب}، {فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم}، وكما في حديث المقبور: (فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله به خيرا منه، مقعدا في الجنة) متفق عليه. (انظر: اقتضاء الصراط المستقيم 1/ 433)
إن مزاحمة أعياد الإسلام ينتج عنها من التهاون بالعيد المشروع، واللامبالاة به، ما يعني تضييع وخفوت شعائر الدين، فالعيدان من الشعائر. وهذه طبيعة في البشر والأمم، الإكثار من الشيء وكثرته يورثهم اللامبالاة به، وضعف الإقبال عليه، وهذا خطير!!، خصوصا وأن العيدين يرتبطان بركنين من أركان الإسلام، هما: الصوم، والحج. وتعظيمهما من تعظيمهما، ومثل هذه الآثار قد لا تحصل على المدى المنظور، لكن مع فهم طبيعة النفس البشرية، وتاريخ الأمم والمجتمعات، والبحث في أسباب التغيرات: ندرك أن النتيجة تلك (= اللامبالاة) حاصلة قطعا.
هنا دليل آخر، يمنع من الاحتفال بالأعياد المحدثة، لمجرد أنها ليست مشروعة، أو لكونها مضاهية للمشروع، هو حديث بوانة، فقد روى أبو داود في سننه، في الأيمان والنذور، في ما يؤمر به من الوفاء بالنذر، عن ثابت بن الضحاك أن رجلا نذر أن يذبح إبلا ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
(هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟، قالوا: لا. قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟، قالوا: لا. قال: أوف بنذرك؛ فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم).
بحسب مفهوم هذا الأثر وحدوده، من دون حصر، فإن:
- العيد قد يكون زمانيا أو مكانيا ..
- وقد يكون قائما، أو سابقا ..
- والاحتفال به إما باتخاذه، أو بموافقة أهله بتخصيص عمل ما في ذلك العيد.
ففي الأثر نهي عن: التخصيص بالذبح (="عبادة) .. " مكانا كان عيدا .. في السابق؛ لأنه تعظيم لذلك المكان، وموافقة لأهله.
ومنه نستنتج: أنه إذا كان العيد زمانيا، فله الحكم نفسه؛ إذ لا فرق بينهما (="المكاني" والزماني) في المنع من الإحداث .. وإذا كان عيدا قائما، فأولى بالمنع من السابق الغابر .. وإذا منع من الموافقة، فاتخاذه أولى بالمنع. ثم إن هذا الحديث اختص بالمنع من الموافقة في الأعياد بالعبادات (= أن أذبح إبلاً .. )، والحديث السابق منع من العادات (= يلعبون فيهما .. ). وهكذا تكاملا.
¥