ـ[الموسى]ــــــــ[13 - 01 - 09, 10:48 ص]ـ
تأمل:
من يتصور أن جوهر الصراعات الفكرية هي خلاف فعلي في التصورات والحجج فهو واهم .. القضية برمتها هي مدى (القابلية للتسليم والانقياد للوحي) .. الخلاف الفكري الحقيقي ليس بين (دليل ودليل) وإنما بين (الدليل والهوى) .. ولذلك كله لما صفت نفوس أئمة القرون المفضلة بالتزكية أطبقوا على أصول الاسلام وانحصر اختلافهم في فروعه التفصيلية إلا ماندر .. ولذلك فكلما رأيت اختلافا حول الفروع التفصيلية فاعلم أن الأمر في غالبه اجتهاد .. وكلما رأيت اختلافاً حول أصول الاسلام ومفاهيمه الرئيسية فاعلم أن لذائذ الهوى تتدسس تحت ديكورات الثقافة .. ولذلك قال تعالى في لغة حاسمة:
{فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ} (50) سورة القصص
هكذا لخص القرآن النتيجة بكل وضوح:
عدم اتباع الوحي= الهوى ..
واسألوا مع عانى الصراعات الفكرية مع المخالفين للتصورات الشرعية .. وسيخبرونكم كيف أن حقائق الايمان تصنع في القناعات مالايصنعه كل بذخ الصياغة الفلسفية الفارهة .. أعطني موعظة صادقة واحدة وخذ ألف مفكر ..
كما لا يخفاكم أن في القران كثير من المقارنات التي يبينها الله من أجل أن ترسيخ معنى أو قيمة ليهتدي بها الناس .. فالمقارنة أسلوب ناجع أثناء الحوار مع الخصوم ومن أجل غرس المعاني العميقة والصلبة في المجتمعات .. وهناك مقارنات كثيرة في القران منها على سبيل المثال:
الغريقان يونس وفرعون نجى الله الأول وأهلك الثاني اكتشاف العلاقة بينهم سيوضح للقارئ معنى مهيباً يرسخ في القلب كلما وقف على مواضعها في الكتاب العزيز ..
ملكان سليمان وقارون.
وصاحبي الجنة كما في سورة الكهف.
من اشترى نفسه لله ومن يتولى ويسعى في الأرض.
امرأتي النبيين الصالحين وامرأة فرعون.
ومن العجيب أن الصحابة رضي الله عنهم قد تنبهوا إلى هذا وقدموا بذلك موقفا خالدا استحقوا أن يقدموا أنفسهم محل مقارنة ونموذج صالح لهم كما أخرج البخاري في صحيحه أنه قال' حدثنا أبو نعيم حدثنا إسرائيل عن مخارق عن طارق بن شهاب قال سمعت ابن مسعود يقول شهدت من المقداد بن الأسود مشهدا لأن أكون صاحبه أحب إلي مما عدل به أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو على المشركين فقال لا نقول كما قال قوم موسى {اذهب أنت وربك فقاتلا} ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم أشرق وجهه وسره يعني قوله'.
وقد يجلوا المعنى أثناء محاولتنا معرفة العلاقة التي ذكرت هذه النماذج من اجلها وقد يدق ..
ومن تلك النماذج المدهشة العلاقة في مناسبة ذكر الله سبحانه وتعالى لنبيه إبراهيم عليه السلام بعد التفصيل في أحوال بني إسرائيل وموقفهم من التكليف بعد أن اصطفاهم الله ..
أوجه الشبه التي من خلالها نكتشف وجه التقارب بينهم:
عناصر مشتركه بين النموذجين:
الاصطفاء والرعاية من الله والإنعام.
محك القضية:
التكليف والاختبار والابتلاء
الموقف من التكليف:
التسليم والانقياد من إبراهيم عليه السلام (إذ قال له ربه اسلم قال أسلمت لرب العالمين).
والاستكبار والتعنت في الامتثال وبالتالي الهوى من بني إسرائيل.
قال العلامة ابن سعدي في تعليقه على الآية وهو من أنفس التعليقات بعد استقراء كتب التفسير:أن الله ابتلاه وامتحنه بكلمات، أي: بأوامر ونواهي، كما هي عادة الله في ابتلائه لعباده، ليتبين الكاذب الذي لا يثبت عند الابتلاء والامتحان من الصادق، الذي ترتفع درجته، ويزيد قدره، ويزكو عمله، ويخلص ذهبه، وكان من أجلِّهم في هذا المقام، الخليل عليه السلام.
فأتم ما ابتلاه الله به، وأكمله ووفاه، فشكر الله له ذلك، ولم يزل الله شكورا فقال: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} أي: يقتدون بك في الهدى، ويمشون خلفك إلى سعادتهم الأبدية، ويحصل لك الثناء الدائم، والأجر الجزيل، والتعظيم من كل أحد.
وهذه - لعمر الله - أفضل درجة، تنافس فيها المتنافسون، وأعلى مقام، شمر إليه العاملون، وأكمل حالة حصلها أولو العزم من المرسلين وأتباعهم، من كل صديق متبع لهم، داع إلى الله وإلى سبيله. تفسير السعدي - (ج 1 / ص 65)