ثم لما جاء المقداد t إلى النبي r لم يخبره النبي r بنجاسة المذي. وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. ثم إن علياً t أرسل المقداد t شاكياً يظن أن خروج المذي يوجب الغسل. فبيّن الرسول r أنه يكفيه ما ذكر له. وفي نفس الحديث أمره أن يغسل ذكره ولم يأمره بغسل ثوبه. مع أن وقوع المذي على الثوب متحتم، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. ثم إن المذي مما تحتاجه الأمة فلو كان نجساً، لجاء لفظ النجاسة به صريحاً.
لكن تصحيح القاعدة أن يقال: "إن ما كان جواباً لسؤال، لا يستلزم الوجوب". وفرقٌ بين الاستلزام وبين الاقتضاء. فقولنا: لا يقتضي: معناه ليس من معانيه الوجوب، وقولنا: لا يستلزم معناه: لا يدل دائماً على الوجوب. وهذا هو الصحيح، أن الجواب بحسب السؤال.
أما بالنسبة للأمر بالوضوء، فمن المحتمل أن يكون هذا بسبب خروج المذي، ومن المحتمل أن يكون بسبب لمس الذكر. فإن نص الحديث أن «يغسل ذكره ويتوضأ». ومن المعلوم أن عملية غسل المذي عنه تتعذر إلا بلمس الذكر. ولمس الذكر موجب للوضوء عند الجمهور، وقد جاء عليه النص الصريح.
واحتجوا بحديث رواه أبو داود (1
54) من طريق: محمد بن إسحاق عن سعيد بن عبيد بن السَّبّاق عن أبيه عن سهل بن حنيف t قال: كنت ألقى من المذي شدة وكنت أكثر منه الاغتسال فسألت رسول الله r عن ذلك، فقال: «إنما يجزيك من ذلك الوضوء». قلت: يا رسول الله فكيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال: «يكفيك بأن تأخذ كفاً من ماء فتنضح (أي ترش) بها من ثوبك حيث ترى أنه أصابه». وهذا حديث تفرد به ابن إسحاق، وفيه خلاف مشهور، والراجح أن لا يقبل منه ما تفرد به من أحكام.
إجمالاً فإن أدلة طهارة المني كلها تنطبق على المذي. فلا يكون للقائلين بنجاسة المذي إلا حديث علي وهو غير واضح الدلالة. ومن المعلوم أنه إذا تطرق الاحتمال سقط الاستدلال، ورجعنا للأصل وهو طهارة الأعيان. فالذي تطمئن له النفس هو طهارة المذي. والمذي مما يصعب التنزه عنه أكثر من البول. وليس له جرم أو أثر ظاهر حتى يغسل أو يزال. ولم يعلق به بطلان صوم ولا حد ولا كفارة. وهو مقدمة لنزول المني وهو طاهر أيضاً. بل إن الثابت طبياً أنه جزء من المني. والغدد التي تفرز المذي، تشترك في إفراز المني. والفرق أن المني فيه مكونات أكثر (كالنطاف مثلاً!). لذا يطمئن القلب لطهارته. والله أعلم.
ـ[عمرو موسى]ــــــــ[12 - 02 - 10, 06:02 م]ـ
ما نعلمه و نرى دائما أهل العلم يفتون به هو نجاسة المذي
فهل من أهل العلم المعتبرين من قال بطهارته؟
ـ[أحمد سعيد سالم]ــــــــ[12 - 02 - 10, 06:22 م]ـ
من كاتب هذا البحث؟
ـ[محمد العقاد]ــــــــ[12 - 02 - 10, 07:37 م]ـ
ليس هناك تناقض عند العلماء و انما هم متوقفون على ماورد من النصوص و العلل فيستنبطون منها الاحكام كما فعل غيرهم 0
فأما بالنسبة للمذي: وهي القطرات التي تخرج عند بداية الشهوة كالملاعبة، والنظرة، والتقبيل ونحو ذلك، فهذه القطرات اليسيرة التي تخرج من العضو تعتبر نجسة كما دل على ذلك حديث المقداد - رضي الله عنه - وأرضاه- لما سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((يغسل ذكره وأنثييه)) -كما في رواية أبي داود في السنن- فدل هذا على أن المذي نجس، وأما طهارته فللعلماء قولان:
القول الأول: وهو قول جمهور أهل العلم -رحمة الله عليهم- من الحنفية، والشافعية، والحنابلة في رواية عن الإمام أحمد أنه يجزىء في المذي أن يستجمر.
والقول الثاني: وذهب المالكية، والحنابلة في الرواية الثانية إلى أن المذي لا يجزىء فيه إلا الغسل.
واستدل الذين قالوا بأنه لابد من غسل المذي بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بغسله، كما في حديث المقداد حينما أمره علي - رضي الله عنه - وأرضاه- أن يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم -.
واستدل الذين قالوا إنه يجزىء فيه الحجر بأنه خارج نجس فيقاس على البول والغائط، فكما أن الإنسان يتطهر بالحجر إذا خرج منه البول والغائط فكذلك يتطهر بالحجر إذا خرج منه المذي، وهذا قياس.
وأقوى القولين أنه لابد من الغسل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالغسل، ولأن المذي أشد من البول وذلك أن المذي لزج، ولزوجته يصعب معها قلعه، ومن ثمَّ كان اعتبار الماء فيه أولى، ومن هنا يصبح قياس أصحاب القول الأول قياساً مقابلاً للنص، والقاعدة في الأصول: " أن من قوادح القياس فساد الاعتبار وهو أن يكون القياس في مقابل النص "، والحديث هنا أمر بالغسل ولم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الاستجمار بالأحجار في المذي؛ ولأن الأصل في الطهارة أن تكون بالماء حتى يدل الدليل على ما دون ذلك، فدل الدليل في غير المذي وبقي المذي على الأصل، وإذا تقرر هذا فإنه لابد في طهارة المذي من أن يغسل الفرج.