تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و قد وقفت للحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه " إنباء الغمر بأبناء العمر " على كلام ظاهره أن هذه المسألة كانت مشتهرة عند الناس بأنها راجعة إلى اختلاف المطالع، فقد قال في أحداث عام ثمان وعشرين وثمانمائة: " .. وفي الثالث والعشرين من ذي الحجة وصل بالمبشر من الحاج وأخبروا بالرخاء الكثير في الحجاز، وأنه نودي بمكة أن لا تباع البهار إلا على تجار مصر، وأن لا يكون البهار إلا بهار واحد، وأخبر بأن الوقفة كانت يوم الاثنين وكانت بالقاهرة يوم الأحد، فتغيظ السلطان ظناً منه أن ذلك من تقصير في ترائي الهلال، فعرفه بعض الناس أن ذلك يقع كثيراً بسبب اختلاف المطالع؛ وبلغني أن العيني شنع على القضاة بذلك السبب. فلما اجتمعنا عرفت السلطان أن الذي وقع يقدح في عمل المكيين عند من لا يرى باختلاف المطالع، حتى لو كان ذلك في رمضان للزم المكيين قضاء يوم، فلما لم يفهم المراد سكن جأشه " اهـ.

والغريب أنه مع كثرة وقوع هذه المسألة لم نقرأ للعلماء تطرقاً حولها بعينها، فضلاً عن التفصيل فيها، ولعل السبب في ذلك والله أعلم أنها متفرعة كما قلنا من مسألة اعتبار اختلاف المطالع.

بل العجب أن بعض القائلين بعدم اعتبار اختلاف المطالع كالحنفية ذُكر عنهم أنهم في شهر ذي الحجة يعتبرون اختلاف المطالع فيه!!

فقد جاء في " حاشية رد المختار " لابن عابدين (3/ 325) ما نصه: " تنبيه: يفهم من كلامهم في كتاب الحج أن اختلاف المطالع فيه معتبر، فلا يلزمهم شيء لو ظهر أنه رئي في بلدة أخرى قبلهم بيوم، وهل يقال كذلك في حق الأضحية لغير الحجاج؟ لم أره، والظاهر نعم، لأن اختلاف المطالع إنما لم يعتبر في الصوم (أي: صوم رمضان) لتعلقه بمطلق الرؤية. وهذا بخلاف الأضحية فالظاهر أنها كأوقات الصلوات يلزم كل قوم العمل بما عندهم، فتجزئ الأضحية في اليوم الثالث عشر وإن كان على رؤيا غيرهم هو الرابع عشر والله أعلم ". إهـ.

2 – أن يوم عرفة المقصود منه هو اليوم التاسع من ذي الحجة، وأن المعتبر فيه هو التاريخ الهجري في القطر الذي يتواجد فيه الإنسان لا مطلق الوقوف بجبل عرفات، وهذا هو المعهود من صنيع أهل العلم في تعريف يوم عرفة حيث يذكرون في بيان تعريف يوم عرفة أنه اليوم التاسع من ذي الحجة. (انظر " القاموس الفقهي "، و " معجم لغة الفقهاء "، وكذا شروح كتب السنة).

- وهذا – أي أن يوم عرفة هو يوم التاسع من ذي الحجة - لا خلاف فيه، وإنما الخلاف في سبب تسميته بيوم عرفة، قال ابن قدامة في " المغني " (4/ 442): " فأما يوم عرفة: فهو اليوم التاسع من ذي الحجة، سمي بذلك لأن الوقوف بعرفة فيه، وقيل: سمي يوم عرفة لأن إبراهيم عليه السلام أري في المنام ليلة التروية أنه يؤمر بذبح ابنه، فأصبح يومه يتروى، هل هذا من الله أو حلم؟ فسمي يوم التروية، فلما كانت الليلة الثانية رآه أيضا فأصبح يوم عرفة، فعرف أنه من الله، فسمي يوم عرفة، وهو يوم شريف عظيم، وعيد كريم، وفضله كبير " اهـ.

وقد ذكر في سبب تسميته بعرفة عدة أقاويل غير ما اختاره أصحاب القول الأول فلا يمكن أن يحتج بأن سبب تسميت هذا اليوم بعرفة هو وقوف الناس بعرفة فقط ما لم يستند هذا القول إلى دليل يدل عليه، ولا دليل عليه فيما نعلم، (انظر تلك الأقوال في " تفسسير الطبري " (2/ 297)، و " البحر المحيط " (2/ 275) عند تفسير قوله تعالى: ((فإذا أفضتم من عرفات)) الآية، وكذا " لسان العرب " لابن منظور (4/ 2898) = مادة: ((عرف))).

3 – قد يحتج لهذا القول أنه جاء في رواية التصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم التاسع من ذي الحجة، وذلك فيما رواه أبو داود (2437)، وأحمد (22690)، والنسائي (2372) وصححه الشيخ الألباني عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر أول اثنين من الشهر والخميس).

وجه الدلالة من الحديث: أن زوج النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم تسع ذي الحجة، وهذا بلا ريب كان قبل حجة الوداع، ولفظ (كان) يدل على الاستمرار، ولم يبلغنا عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان يتحرى وقفة الناس بعرفة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير