4 – قد يحتج لهذا القول بظاهر قول عائشة رضي الله تعالى عنها وذلك فيما رواه عبد الرزاق في " مصنفه " (4/ 157) عن مسروق: أنه دخل هو ورجل معه على عائشة يوم عرفة، فقالت عائشة: يا جارية! خوضي لهما سويقاً وحليةً فلولا أني صائمة لذقته، قالا: أتصومين يا أم المؤمنين! ولا تدرين لعله يوم يوم النحر، فقالت: إنما النحر إذا نحر الإمام، وعظم الناس، والفطر إذا أفطر الإمام وعظم الناس "، وفي رواية البيهقي في " السنن الكبرى " (4/ 252): (النحر يوم ينحر الناس، و الفطر يوم يفطر الناس)، وجود إسناده الشيخ الألباني في " السلسة الصحيحة " (1/ 389).
وفي رواية عن عائشة رضي الله عنها قالت: " إنما عرفة يوم يعرف الإمام، ويوم النحر يوم ينحر الإمام)، أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان "، والطبراني في " المعجم الأوسط "، قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (3/ 190): " في إسناده دلهم بن صالح ضعفه ابن معين وابن حبان وإسناده حسن " اهـ، وضعفه الشيخ الألباني في " ضعيف الترغيب والترهيب ".
وظاهر كلامها رضي الله تعالى عنها أنه لا يلتفت إلى الشك في يوم عرفة، ولا عبرة في التخوف من أن يكون هو يوم النحر، لأن العبرة فيما عليه الإمام وأهل البلد فيوم النحر يوم ينحر الإمام وأهل البلد، والفطر يوم يفطر الإمام وأهل البلد.
5 - أن هذه المسألة من المسائل الخلافية، وحكم الحاكم فيها يرفع الخلاف، فلو ألزم الحاكم أو من ينوب عنه الناس بإتباع بلاد الحرمين في رؤيتهم لشهر ذي الحجة وجب إتباعه، وكذا إذا رأى اعتبار اختلاف المطالع حتى في هلال ذي الحجة، فإنه يلزم على أهل البلد التي تحت حكمه وسلطانه طاعته، لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف في مثل هذه المسألة، ولا فرق بينها وبين مسألة الصوم والفطر بحكم الحاكم، وعلى هذا تتفق الكلمة ولا تتشتت، ويجتمع الناس في البلد الواحد على صيام واحد، وعيد واحد ولا يتفرقوا.
قال ابن عثيمين في " مجموع فتاويه " في إجابة له حول هذه المسألة: " ... إذا كان البلدان تحت حكم واحد وأَمَرَ حاكمُ البلاد بالصوم، أو الفطر وجب امتثال أمره؛ لأن المسألة خلافية، وحكم الحاكم يرفع الخلاف، وبناء على هذا صوموا وأفطروا كما يصوم ويفطر أهل البلد الذي أنتم فيه سواء وافق بلدكم الأصلي أو خالفه، وكذلك يوم عرفة اتبعوا البلد الذي أنتم فيه " اهـ.
ـ[أحمد العماني]ــــــــ[12 - 02 - 09, 03:53 م]ـ
المبحث الثالث:
مناقشة أدلة الفريقين والردود عليها
مناقشة أدلة القول الأول:
1 – قولهم أن المقصود بيوم عرفة هو اليوم الذي يقف فيه الناس بعرفة وأن الناس تبع للحجاج في وقوفهم، قول ليس عليه دليل صريح، ولا يعدو كونه احتمالاً يتجاذبه احتمال آخر وهو أن يوم عرفة علم على الزمان لا المكان فهو يطلق على اليوم التاسع من ذي الحجة، ومثله مثل يوم عاشوراء الذي هو اليوم العاشر من محرم، وإذا وجد الإحتمال بطل الاستدلال.
قال الخرشي المالكي في " شرحه لمختصر خليل ": " (قوله: وعرفة وعاشوراء) هذه المواسم المشار بقوله وغيره من المواسم، وعاشوراء ونصف شعبان موسم من حيث الصوم وغيره مما يطلب فيه، والمواسم جمع موسم الزمن المتعلق به الحكم الشرعي ولم يرد بعرفة موضع الوقوف بل أراد به زمنه وهو اليوم التاسع من ذي الحجة، وأراد بعاشوراء اليوم العاشر من المحرم " اهـ.
- ومما يدل لذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم سمى يوم التاسع من ذي الحجة يوم عرفة فعن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله عز وجل أخذ الميثاق من ظهر آدم عليه السلام بنعمان يوم عرفة فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرهم بين يديه ثم كلمهم قبلاً .. ) الحديث. قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (7/ 188): " رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح " اهـ، وقد صحح الشيخ الألباني هذا الحديث في " صحيح الجامع " (1701) و " شرح الطحاوية " (219).
¥