تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ووجه الدلالة من هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى يوم التاسع من ذي الحجة الذي أخذ الله عز وجل الميثاق من ظهر آدم عليه السلام بيوم عرفة، ومن المعلوم بلا أدنى شك أن هذا اليوم ليس فيه وقوف بعرفة، فدل أنه يقصد بيوم عرفة اليوم التاسع من ذي الحجة، وليس يوم وقوف الناس بعرفة.

- وأما ما ذكروه من أحاديث يستدلون بها على قولهم كحديث: (عرفة يوم تعرفون)، وحديث: (عرفة يوم يعرف الإمام)، وحديث: (يوم عرفة اليوم الذي يعرف الناس فيه)، وقول عائشة رضي الله عنها: (يوم عرفة يوم يعرف الإِمام).

فيجاب عليه: بأن هذه الأخبار لا تسلم من ضعف، ولكن على فرض صحة هذه الأخبار سواء بنفسها أو بمجموع طرقها، فإنه يجاب عليها بأن معناها مثل معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون)، والتفريق بين شهر الصوم والإفطار وبين غيره كعرفة والأضحى تفريق من غير دليل، وخاصة وأنها قد ذكرت في حديث واحد.

يجاب على هذا الاعتراض:

- أما نقاشهم في المقصود بيوم عرفة وما يتجاذبه من احتمال فهو كما قالوا، إلا أن الفريق الأول قد يقول: احتمال دليلنا أقوى لما ذكر في الاستدلال رقم (1) و (2).

- وأما حديث ابن عباس الذي ذكرتموه بلفظ: (بنعمان يوم عرفة) فهو إن صح ففيه دلالة لقولكم كما أشرتم، ولكن لا يفرح به بهذا اللفظ أبداً، فليس لهذه اللفظة أصل البتة، بل هي بهذا اللفظ غلط لم يرد في الأصول، وإنما الوارد فيها هو لفظ: (بنعمان يعني بعرفة)، والغريب أن هذا الحديث بلفظ: (بنعمان يوم عرفة) ذكره غير واحد من أهل العلم منهم ابن كثير في " قصص الأنبياء " (ص 44)، وابن أبي العز الحنفي في " شرح الطحاوية " (ص 240)، والهيثمي في " مجمع الزوائد " (7/ 188)، والشوكاني في " فتح القدير " (2/ 384)، والسيوطي في تفسير " الدر المنثور " وفي " الجامع الصغير " وصححه بهذا اللفظ أيضاً الشيخ الألباني في " صحيح الجامع الصغير " (1701) و " شرح الطحاوية " (219).

وكما قلنا آنفاً أن هذا النقل للحديث بهذا اللفظ (بنعمان يوم عرفة) غلط من ناقله، والعجب تتابع نقل هذا الغلط من هؤلاء العلماء وغيرهم، بل وعدم تنبيه من أخرجه وصححه على هذا الغلط، ولم يرد هذا الحديث في الأصول التي ذكروها مرفوعاً ولا موقوفاً بهذا اللفظ، وإنما ورد مرفوعاً عند أحمد في " المسند " (2455)، وابن جرير في " تفسيره " (13/ 222)، و " تاريخه " (1/ 90)، والنسائي في " السنن الكبرى " (11191)، والبيهقي في " الأسماء والصفات " (2/ 149)، والحاكم في " المستدرك "وصححه، ووافقه الذهبي (1/ 27) بلفظ: (بنعمان يعني عرفة)، فبطل الإحتجاج بهذا الحديث لأنه جاء بلفظ (يعني عرفة) وليس (يوم عرفة)، وجاء موقوفاً أيضاً بهذا اللفظ وبألفاظ أخرى ليس في واحدٍ منها لفظة: (يوم عرفة)!.

2 - أما ما استدلوا به لاعتبار هذا المعنى المخصص ليوم وقوف الناس بعرفة من إضافة النبي صلى الله عليه وسلم الصوم إلى اليوم بعينه، وأن هذه الإضافة معتبرة.

فجوابه: أن هذه الإضافة ليس فيها دلالة على قولهم لأن المشهور عند الناس إطلاق اسم هذا اليوم على اليوم التاسع من ذي الحجة، ومثله مثل يوم عاشوراء يطلق على يوم العاشر من محرم ويوم النحر على اليوم العاشر من ذي الحجة.

ولهذا لشهرة التسمية بهذه الإضافة على تلك الأيام فإنه لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بقوله عن يوم النحر: (أي يوم هذا) ظن الصحابة أنه سيسميه بغير اسمه المعروف عندهم، ولهذا لما قال لهم: (أليس يوم النحر) فأجابوه بقولهم: بلى.

- وهذا إن سلمنا أنه لم يرد التصريح إلا بلفظ يوم عرفة، وإلا فقد جاء في رواية التصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم اليوم التاسع من ذي الحجة، وذلك فيما رواه أبو داود (2437)، وأحمد (22690)، والنسائي (2372) وغيرهم من حديث هنيدة عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر أول اثنين من الشهر والخميس)، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود " و " صحيح النسائي ".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير