تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يجاب على هذا الاعتراض:

- أن هذا الحديث الذي ذكرتم أن فيه التصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم اليوم التاسع من ذي الحجة قد ضعفه غير واحد من أهل العلم لاضطرابه، فقد اختلف فيه على هنيدة، فروي عنه عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وروي عنه عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وروي عنه عن أمه عن أم سلمة، وممن ضعف الحديث الزيلعي في " نصب الراية "، والشيخ شعيب الأرنؤوط في " تخريجه لمسند أحمد " (22690).

بل إن الشيخ الألباني الذي صححه في " صحيح سنن أبي داود و" صحيح النسائي "، حكم عليه بالضعف في " ضعيف الجامع " (4570).

3 – وأما قولهم: أن المسلمين قد أجمعوا إجماعاً عملياً منذ عشرات السنين على متابعة الحجاج فلا يجوز مخالفتهم في ذلك، فهو أمر غير مسلم به ولا يستند إلى دليل، فمازال الناس يختلفون في ذلك. فأما عدم اجتماعهم قبل توفر وسائل العلم الحديثة للاتصال فهو معلوم لا يشك فيه عاقل، فإن المسلمين قبل اختراع وسائل الإتصال الحديثة، لم يلتفتوا أصلاً إلى وقوف الناس في عرفة كشرط لصومهم عرفةَ في بلادهم، طوال أكثر من ألف وثلاثمائة عام، بل ولم يذكر أحد من الفقهاء أن من شرط صحة صيام يوم عرفة أن يوافق وقوف الناس بعرفة، ولم تعلم فترة من الزمان جرى فيها توحيد المسلمين جميعاً على رؤية واحدة إلى أن يكون حصل ذلك عرضاً دون سبق ترتيب وتطبيق.

وكذلك لم يقع بل ولم يذكر فيما أعلم في تاريخ المسلمين أنه إذا ثبتت رؤية هلال ذي الحجة في قطر من أقطار المسلمين ولو بمكة أو دار الخلافة أو الملك أن يتناقل الناس خبر الرؤية في شتى بقاع الأمة وتبعث البرقيات أو الرسائل لإخبار المسلمين في اليمن ومصر والشام والعراق وغيرها من بلاد الإسلام بخبر هذه الرؤية، فلما لم يقع شيء من ذلك فمن أين لهم ذكر الإجماع.

والمتتبع لكتب التاريخ يجد عدم اجتماعهم على ذلك إلا أن يقع عرضاً من غير سبق ترتيب، من ذلك ما جاء في " إنباء الغمر بأبناء العمر " للحافظ ابن حجر العسقلاني في أحداث عام أربع وعشرين وثمانمائة قال: " .. وفي هذه السنة حججت بعد أن توجه الحاج بعشرة أيام على رواحل فوصلت بالقرب من الحوراء، ورافقتهم إلى مكة ثم عدت صحبتهم، وكانت الوقفة يوم الجمعة بعد تنازع بمكة مع أن العيد كان بالقاهرة يوم الجمعة " اهـ.

ومن ذلك أيضاً ما جاء في أحداث عام ثمان وعشرين وثمانمائة قوله: " .. وفي الثالث والعشرين من ذي الحجة وصل بالمبشر من الحاج وأخبروا بالرخاء الكثير في الحجاز، وأنه نودي بمكة أن لا تباع البهار إلا على تجار مصر، وأن لا يكون البهار إلا بهار واحد، وأخبر بأن الوقفة كانت يوم الاثنين وكانت بالقاهرة يوم الأحد، فتغيظ السلطان ظناً منه أن ذلك من تقصير في ترائي الهلال، فعرفه بعض الناس أن ذلك يقع كثيراً بسبب اختلاف المطالع؛ وبلغني أن العيني شنع على القضاة بذلك السبب. فلما اجتمعنا عرفت السلطان أن الذي وقع يقدح في عمل المكيين عند من لا يرى باختلاف المطالع، حتى لو كان ذلك في رمضان للزم المكيين قضاء يوم، فلما لم يفهم المراد سكن جأشه. " اهـ.

ومنها ما جاء في كتاب " السلوك لمعرفة دول الملوك " للمقريزي ": " .. وفي تاسع عشرينه: قدم مبشرو الحاج، وأخبروا بسلامة الحجاج، وأخبروا أنهم وقفوا بعرفة يوم الخميس، وكانت الوقفة بمصر يوم الأربعاء .. " اهـ وغيرها.

وأما زعم اجتماعهم بعد توفر الوسائل الحديثة فينقضه الواقع المشاهد، بل إن الشيخ أحمد شاكر رحمه الله يذكر الاختلاف في هذه المسألة في زمانه فقد قال في رسالته: " أوائل الشهور العربية " (ص 3) ما نصه: " ثبت في مصر لدى المحكمة العليا الشرعية أن أول شهر ذي الحجة من هذا العام (سنة 1357 هـ) يوم السبت، فكان عيد الأضحى يوم الاثنين (30 يناير سنة 1939 م).

بعد بضعة أيام، نشر في المقطم أن الحكومة العربية السعودية لم يثبت عندها أن السبت أول ذي الحجة، فصار أوله الأحد، فكان وقوف الحجيج بعرفه يوم الإثنين، والعيد يوم الثلاثاء (31 يناير سنة 1939 م).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير