تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) غافر: 64

وقال تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (التين:4)، والآيات في هذا المعنى كثيرة. قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله:

" فليس في جنس الحيوانات، أحسن صورة من بني آدم، كما قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} وإذا أردت أن تعرف حسن الآدمي وكمال حكمة الله تعالى فيه، فانظر إليه، عضوًا عضوًا، هل تجد عضوًا من أعضائه، يليق به، ويصلح أن يكون في غير محله؟ وانظر أيضًا، إلى الميل الذي في القلوب، بعضهم لبعض، هل تجد ذلك في غير الآدمين؟ وانظر إلى ما خصه الله به من العقل والإيمان، والمحبة والمعرفة، التي هي أحسن الأخلاق المناسبة لأجمل الصور. " انتهى، تفسير السعدي (741).

ثالثا:

إن كنت ترى أنك لم تُرزق حظا من الجمال والوسامة، وتأذيت لدمامة منظرك، وسوء حالك؛ فاعلم ـ يا عبد الله ـ أن كل خلق الله حسن، وكل تقديره لعبده المؤمن خير؛ وهاتان نقطتان مهمتان، نرجو ألا تهملهما وألا تنساهما طرفة عين.

وهذان حديثان يرشدانك إلى ما قلنا في هاتين القاعدتين المهمتين من قواعد الإيمان بقضاء الله وقدره، ومعاملته سبحانه، والسلوك إليه.

أما الأول: فعَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ؛ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) رواه مسلم (2999).

وأما الثاني: عن عَمْرو بْن الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبِعَ رَجُلًا مِنْ ثَقِيفٍ حَتَّى هَرْوَلَ فِي أَثَرِهِ، حَتَّى أَخَذَ ثَوْبَهُ، فَقَالَ: (ارْفَعْ إِزَارَكَ).

قَالَ: فَكَشَفَ الرَّجُلُ عَنْ رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَحْنَفُ وَتَصْطَكُّ رُكْبَتَايَ!!

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَسَنٌ).

قَالَ: وَلَمْ يُرَ ذَلِكَ الرَّجُلُ إِلَّا وَإِزَارُهُ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ حَتَّى مَاتَ!!

رواه أحمد (18978) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1441).

قال الأصمعي رحمه الله: " الحَنَف: إقبال القدم بأصابعها على الأخرى، هذه على هذه، وهذه على هذه ". اهـ غريب الحديث للحربي (1/ 436).

فتأمل يا عبد الله، كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قوم لهذا الصحابي ما وقع في نفسه من الحياء، أو التأذي من منظر قدميه، بما حمله على إطالة إزاره، ليغطي ما به من العلة والعيب، فقال له رسول الله صلى الله عليه: " كل خلق الله حسن "؛ فمهما أصابك من شيء، أو ألم بك من داء أو عيب، فاعلم أن خلق الله كله حسن، رغم كل ذلك.

فإن استعصت عليك نفسك، وتأبت إلا النظر إلى ما أصابها من داء وعلة، وأبت إلا أن تنظر إلى من هو أحسن صورة منها، وأجمل منظرا مما قسم لك، فذكرها ـ دائما، يا عبد الله ـ بما رواه أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَالْخَلْقِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ) رواه البخاري (6490) ومسلم (2963).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:

" قَوْله (فِي الْمَال وَالْخَلْقِ) بِفَتْحِ الْخَاءِ أَيْ الصُّورَةِ , وَيَحْتَمِل أَنْ يَدْخُلَ فِي ذَلِكَ الْأَوْلَادُ وَالْأَتْبَاعُ وَكُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِزِينَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير