تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

حِكْمَةٍ، فَالشُّكْرُ بِالْأَعْمَالِ هُوَ عَلَى نِعْمَتِهِ، وَهُوَ عِبَادَةٌ لَهُ لِإِلَهِيَّتِهِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ حِكْمَتَهُ، فَقَدْ صَارَ مَجْمُوعُ الْأُمُورِ دَاخِلًا فِي الشُّكْرِ. وَلِهَذَا عَظَّمَ الْقُرْآنُ أَمْرَ الشُّكْرِ، وَلَمْ يُعَظِّمْ أَمْرَ الْحَمْدِ مُجَرَّدًا إذْ كَانَ نَوْعًا مِنْ الشُّكْرِ، وَشُرِعَ الْحَمْدُ الَّذِي هُوَ الشُّكْرُ مَقُولًا أَمَامَ كُلِّ خِطَابٍ مَعَ التَّوْحِيدِ، فَفِي الْفَاتِحَةِ الشُّكْرُ مَعَ التَّوْحِيدِ، وَالْخُطَبُ الشَّرْعِيَّةُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الشُّكْرِ وَالتَّوْحِيدِ. وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ نَوْعَانِ: فَسُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِيهَا الشُّكْرُ وَالتَّنْزِيهُ وَالتَّعْظِيمُ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ فِيهَا التَّوْحِيدُ وَالتَّكْبِيرُ، [وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}] (*) وَهَلْ الْحَمْدُ عَلَى الْأُمُورِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، كَمَا قِيلَ فِي الْعَزْمِ، أَمْ عَامٌّ؟ فِيهِ نَظَرٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ. وَفِي الصَّحِيحِ {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ يَقُولُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاءِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدَ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدُّ مِنْكَ الْجَدُّ} هَذَا لَفْظُ الْحَدِيثِ. و " أَحَقُّ " أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ، وَقَدْ غَلِطَ فِيهِ طَائِفَةٌ فَقَالُوا: {حَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ} وَهَذَا لَيْسَ بِسَدِيدِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ يَقُولُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ؛ بَلْ حَقُّ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ، كَمَا قَالَ: {فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ} وَلَكِنْ أَحَقُّ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ الْحَمْدُ أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ فَفِيهِ أَنَّ الْحَمْدَ أَحَقُّ مَا قَالَهُ الْعَبْدُ، وَلِهَذَا وَجَبَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ.

وَإِذَا قِيلَ: يَخْلُقُ مَا هُوَ شَرٌّ مَحْضٌ، لَمْ يَكُنْ هَذَا مُوجِبًا لِمَحَبَّةِ الْعِبَادِ لَهُ، وَحَمْدِهِمْ؛ بَلْ الْعَكْسُ؛ وَلِهَذَا كَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ بِالذَّمِّ وَالشَّتْمِ نَظْمًا وَنَثْرًا، وَكَثِيرٌ مِنْ شُيُوخِهِمْ وَعُلَمَائِهِمْ يَذْكُرُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ بِلِسَانِهِ، فَقَلْبُهُ مُمْتَلِئٌ بِهِ لَكِنْ يَرَى أَنْ لَيْسَ فِي ذِكْرِهِ مَنْفَعَةٌ، أَوْ يَخَافُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي شِعْرِ طَائِفَةٍ مِنْ الشُّيُوخِ ذِكْرُ نَحْوِ هَذَا؛ وَيُقِيمُونَ حُجَجَ إبْلِيسَ وَأَتْبَاعِهِ عَلَى اللَّهِ؛ وَهُوَ خِلَافُ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي قَوْلِهِ: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} فَقَوْلُهُ: {أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ} يَقْتَضِي أَنَّ حَمْدَهُ أَحَقُّ مَا قَالَهُ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَفْعَلُ إلَّا الْخَيْرَ وَهُوَ سُبْحَانَهُ. . . (1) (*).

وَنَفْسُهُ مُتَحَرِّكَةٌ بِالطَّبْعِ حَرَكَةً لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الشَّرِّ حِكْمَةً بَالِغَةً وَنِعْمَةً سَابِغَةً. فَإِذَا قِيلَ: فَلِمَ لَا خَلَقَهَا عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ؟. قِيلَ كَانَ يَكُونُ ذَلِكَ خَلْقًا غَيْرَ الْإِنْسَانِ، وَكَانَتْ الْحِكْمَةُ بِخَلْقِهِ لَا تَحْصُلُ، وَهَذَا سُؤَالُ الْمَلَائِكَةِ حَيْثُ قَالُوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} - إلَى قَوْلِهِ - {إنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} فَعَلِمَ مِنْ الْحِكْمَةِ فِي خَلْقِ هَذَا مَا لَمْ تَعْلَمْهُ الْمَلَائِكَةُ، فَكَيْفَ يَعْلَمُهُ آحَادُ النَّاسِ، وَنَفْسُ الْإِنْسَانِ خُلِقَتْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} {إذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا} {وَإِذَا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير