ومن العجائب أنه وقع فيما أنكره على غيره من العلماء، حيث ذكر أنهم " أنكروا القول الآخر وعنفوا القائلين بالجواز "، فقابلهم الشيخ بما هو أشد من ذلك، بمثل هذا العنوان الذي اختاره لرسالته، ولم يوفق في اختياره.
وبوصفه مخالفيه ب " قلة العلم وسفاهة الرأي "!! والله تعالى أعلم بمن هو أولى وأحق بهذا الوصف.
نشر الجهل
قال الشيخ العبيكان في رسالته " وأقول لمن اعترض على نشر هذه الفتوى بين العامة والاقتصار على إفتاء من يحتاج إلى ذلك في السر، إن هذا لا يتفق مع قوله تعالى {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه}.
وقوله صلى الله عليه وسلم ((من كتم علماً يعلمه جاء يوم القيامة ملجماً بلجام من نار)) ... ".
قال سمير: أصلح الله الشيخ! كيف يزعم أن نشر فتوى مخالفة لنصوص القرآن، ومنها قوله تعالى {فلا تكفر} وقوله {ولا يفلح الساحر} وقوله {إن الله لا يصلح عمل المفسدين} ومخالفة لنصوص السنة المشهورة، يدخل في معنى تلك الآية التي تأمر ببيان ما نزل الله تعالى وتحرم كتمانه؟ وأين وجد الشيخ في كتاب الله جواز حل السحر بالسحر؟ وغاية ما جاء به الشيخ هو: أثر واحد عن تابعي، وآراء عن علماء لا يحتج بشيء منها، ولا تدخل في معنى الآية بوجه من الوجوه.
فكيف وقد ظهر بأن الشيخ لم يفهم ذلك الأثر، وحمله على غير ما يحتمل، فوقع في جهلين:
الأول: الجهل بمعنى الآية حيث أدخل فيها ما لا يصلح دخوله من المذاهب والآراء التي تصيب وتخطئ.
الثاني: الجهل بمعنى الأثر، فحمَّله ما لا يحتمل، حيث زعم أن معناه " حل السحر بالسحر ".
وأما استدلاله بحديث ((من كتم علماً .. )) فهو مثل الاستدلال بالآية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قصد به العلم الذي ورثه لأمته.
فهل ورد عنه صلى الله عليه وسلم حديث، ولو ضعيف أو موضوع، يبيح حل السحر بالسحر؟ ولو صح الاستدلال بالآية والحديث على نشر كل علم، لصح الاستدلال بهما على نشر العلوم الفاسدة والآراء المبتدعة والمذاهب المخالفة.
ولن يعدم أن يجد المخالفون من يوافقهم في أقوالهم، وربما استند بعضهم إلى أثر عمن سلف، فهل يصيره ذلك ديناً وعلماً يجب نشره ويحرم كتمه؟
هذا وقد جاء في الحديث ((إن من البيان سحراً وإن من العلم جهلاً ... )) الحديث. رواه أبو داود [5012].
فمثل هذا النوع من العلم، الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالجهل، لا يصلح نشره وإعلانه، بل يلزم إخفاؤه وكتمانه.
وقد ذكر أهل العلم أن معنى حديث ((من كتم علماً يعلمه))، أي العلم الواجب.
قال ابن الأثير " وذلك في العلم الذي يلزمه تعليمه إياه، ويتعين عليه فرضه، كمن رأى كافراً يريد الإسلام فيقول: علموني ما الإسلام وما الدين؟ ... " إلى أن قال " فمن منعه استحق الوعيد، وليس الأمر كذلك في نوافل العلم التي لا يلزم تعليمها " ا هـ. باختصار.
جامع الأصول [8/ 13].
قال سمير: فإذا كانت نوافل العلم المشروعة المنصوص عليها في الكتاب والسنة لا تدخل في معنى هذا الحديث، فكيف يدخل فيها الآراء والأقوال، وكيف إذا كانت مخالفة لنصوص الكتاب والسنة؟
والذي يصلح أن يستدل به هنا من أحاديث العلم، في نقض هذه الفتوى، قوله صلى الله عليه وسلم في حديث قبض العلم (( ... حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)). رواه البخاري ومسلم. انظر جامع الأصول [8/ 35].
القواعد الحسان
ثم نقول بعد كل ما تقدم ذكره، إن قواعد الشريعة وأصولها الحسان تنقض فتوى العبيكان، ومن ذلك:
القاعدة الأولى: " المحكم يقضي على المتشابه ".
إن محكمات النصوص من القرآن والسنة تمنع حل السحر بالسحر، وقد نصت على تحريم السحر واجتنابه وتحريم إتيان السحرة، بألفاظ عامة أو مطلقة، ولم ينسخها أو يخصصها أو يقيدها شيء ألبتة، ومعلوم من قواعد الشريعة أن أقوال الأئمة، ولو كثرت، فإنها لا تنسخ النصوص ولا تخصص عامها، ولا تقيد مطلقها.
القاعدة الثانية: " إذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال ".
¥